- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
"الديسمبرية" هكذا تسمي صفاء عبدالمنعم نفسها بسبب ولادتها في نهاية ديسمبر. يصبح شهر ديسمبر موسما للأحداث الكبرى في حياتها، ولدت فيه، ومؤخرًا كان هو الشهر الذي عرفت فيه بأزمة صحية أخيرة تتعرض لها.
المرض أحد الأجنحة والجناح الثاني أن تفقد الأصدقاء، لذلك ثمة أسماء تتردد في رواية "حافة الروح".. أسماء تبدو كأنها مفاتيح.. الأسماء هي ابتهال ونعمات.
الرواية تسجيلية وواقعية لأن الكاتبة تذكر فيها نفسها باسمها، كما تذكر أسماء عائلتها، وقد كتبتها من وحي تجربة المرض التي مرت بها.. لذلك يمكن تسمية العمل بـ "وثيقة"، خاصة وأنه يتعرض لإحدى فترات الأحداث المهمة.
"اليوم فقط أتذكر أن لي جسدًا وعليَّ رعايته، كيف تركته بهذا الشكل؟ فبدا لي مخيفًا وموحشًا وبعيدًا عني!" إن الجسد الذي تذكره صفاء عبدالمنعم في "حافة الروح" هو الجسد المهجور في وحدة عميقة حتى لو كانت وحدة مليئة بالمحيطين، فالحكاية ليست عن سيدة تواجه ورمًا يحوِّل حياتها إلى قلق شديد، لكن الحكاية عن سيدة تواجه كل ذلك وحيدة، تخشى حتى أن تخبر بناتها: "كيف أجرح قلب الطفلتين بالألم للمرة الثانية، بعد وفاة أبيهما".
هي السيدة التي ترى نفسها: "روحًا طواقة للحرية والحب، وجسدًا ثقيلاً يشبه جسد سلحفاة عجوز ولدت منذ مئات السنين وترقد الآن تحت شجرة جميز عتيقة".
الجسد المواجه لجسد البطلة المريضة، هو جسد الشهيد.. جسدان في مواجهة الحياة، ولا تستطيع الأجساد دائمًا الانتصار، جسد البطلة يتعرض للمرض، وجسد الشهيد يتعرض للقتل. تتصاعد الأحداث وتتوتر تبدو الأحداث الشخصية لدى جسد البطلة هي انعكاس لتوتر الأحداث العامة، تتدهور الأوضاع ويتم سقوط الجسد غالبًا في المحطات الأولى للخسائر، ويموت شاب يؤمن بأشياء جميلة، لكنه ربما يموت بالصدفة، يموت في طريق الأحداث وهي تمر، ربما مثل البطلة التي تعاني في طريق الأحداث أيضًا.
يصبح الجسد في مواجهة الحياة .. وهي مواجهة ضخمة تقف بالشخصيات على الحافة.
شبح نعمات البحيري هو شبح يحضر في ذاكرة جيل من الكاتبات، كانت نعمات رمزًا لهن على الرحيل، الكاتبة التي هربت بكتابتها الجميلة واغتالها ورمًا أيضًا. لترحل نعمات في مفاجأة تاركة الأصدقاء والسيرة.
تذكر صفاء عبدالمنعم أن آخر كتاب لها كان إهداءً إلى نعمات البحيري، وتستحضرها أكثر من مرة في "حافة الروح" تستحضر نموذج الكاتبة الوحيدة التي واجهت ورمًا مثلها. فيبدو استدعاء صفاء لاسم نعمات البحيري هو استدعاء القلق وهو الحضور لنعمات في وجدانها ووجدان الجيل.
وظفت الكاتبة عددًا من أحلامها في سياق الرواية، وقامت باستعادتها وإعادة تأويلها، ربما لأن بداخلها حلمًا أو كابوسًا تخشى تحققه. وربما أيضًا لأن الموت والحلم كان بالنسبة لها مركبًا متساوي الطرفين بمبدأ البشارة. بشارة الرحيل.
تحلم بموت المحيطين فيتحقق الحلم. وفي المقابل تختتم صفاء العمل بحلم سعادة أو كما تسميها رؤية حقيقية حين تفيق من عملية استئصال الورم، وتؤكد أنها رأت مجدي الجابري يجلس على طرف سريرها ثم يقوم ليرحل.
تتساءل الكاتبة: "كأنني أتعرف على جسدي لأول مرة منذ سنين طويلة. حقيقي منذ سنين مضت لم أعد أنظر إليه ولا أهتم به، ولا أدرك وجوده وأهتم به، وكأنه صار عبئًا ثقيلاً عليَّ وأحمله على مضدد".
إن الجسد الذي تحكي عنه "حافة الروح" هو جسد اختارت بطلة الكتاب أن تبتعد عنه.. اختيارًا فرضته الحياة "دخلت البيت.. كان باردًا وصامتًا ووحيدًا مثلي".
كُتبت "حافة الروح" بتقنية القصة القصيرة، وبمشاهد قصيرة متتابعة، لم تبن الكاتبة لتصعد بالأحداث لكنها اختارت لوحات متفرقة ترتبط بالجسد والموت والأحلام. وكان العمل يحتاج إلى المزيد من المشاهد للبناء على الحالة واستثمارها في مشروع روائي أكبر وملائم لأهمية التجربة، لكن الكاتبة فضلت تقديمها كتجربة قصيرة سريعة.
المقالات
كتابات وآراء
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر