- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
اليابانيون أكثر شعوب العالم التي تحذر من الوحدة، لكن مسلسلا تلفزيونيا ينزع بقوة إلى تمجيد العزلة يحقق نجاحا منقطع النظير بينهم في موسمه السابع، لأن أحداثه لا تفترض صورة الرجل الأعزب في منتصف العمر يتحدث إلى نفسه، في الوقت الذي يتناول فيه طعامه وحده، ثمة من يفضل الوحدة كخيار يرضى فيه عن نفسه ولا يخاف منها.
لديّ مثال حقيقي أدافع به عن فكرتي، فصديقي الإنكليزي كان في عقده الثامن عندما سألته عن خيار وحدته؛ مهندس جيولوجي طاف العالم وخبر الحياة بالسفر، تقاعد بعد أن وفر من المال ما يكفيه يعيش حياة غير مشوشة، يستيقظ صباحا ولا يفرط في جريدته اليومية باستثناء يوم الأحد، يتردد أسبوعيا مرتين أو ثلاثا على حانة المسرح القريب من بيته، مازال عضوا في نقابة الجيولوجيين البريطانيين ويحضر نشاطاتها كلما تسنى له ذلك، باختصار لم يكن قلقا من عدم زواجه ومن المستقبل، ولا يفكر في الموت.
خياره أن يبقى وحيدا بلا زواج ولا أسرة بقي مفضلا لديه وقادرا على الدفاع عنه. مازال هذا الرجل راضيا ولا يشعر بالخوف من الوحدة بعد أن باع منزله ويعيش في دار للمسنين بخمس نجوم.
عندما تكون الوحدة خيارا لتجنب تطفل الآخرين وتذمرهم وملامتهم، فإن متعة استعادة الذكريات بالنسبة إلى كبار السن أفضل بكثير من ثرثرة الآخرين.
وهذا ما يذهب إليه ليو لويس الكاتب في صحيفة فايننشيال تايمز بقوله “بعض الكتب تدين القيود التي تفرضها وحدة العائلة، وبعضها الآخر يقف ضد الإنهاك الناتج عن سعي الشخص لأن يكون محبوبا، وبعضها الآخر لا يزال يؤكد أنه من خلال حالة العزلة يستطيع الكبار أن يلوكوا ذكرياتهم بمتعة”.
كبار السن في اليابان هم أكثر الأشخاص في العالم شعورا بالوحدة، ويتفوقون في ذلك حتى على كبار السن في بريطانيا، لذلك هناك حزمة من الكتب تحمل عناوينها مكانة عالية للوحدة بوصفها قوة راحة تهكمية للضعفاء، مثل كتاب “قوة التمتع بالوحدة” و”أصبحت أنظر إلى الوحدة على أنها جميلة”.
لا شيء من هذا يحدث في المجتمعات العربية، فالوحدة ليست خيارا بوجود المضايف والمجالس والديوانيات وفكرة التزاور من دون موعد والترحيب بالزائر كواجب يعبر عن اللياقة! لا أحد يشعر بالوحدة في عالمنا العربي من حسن الحظ!
الوحدة لا تحتاج إلى من يدافع عنها، لكنها تبقى خيارا مريحا عندما يرتبط الأمر بفرض الاستماع إلى تكرار كلام الآخرين.
المقالات
كتابات وآراء
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر