الرئيسية - ثقافة وأدب - ميثاق شرف أخلاقي لقياسات الرأي العام
ميثاق شرف أخلاقي لقياسات الرأي العام
الساعة 11:20 صباحاً (الأحرار نت/ محمد الحمامصي:)
على الرغم من ذيوع مصطلح "الرأي العام" وانتشاره في الخطابين الرسمي والشعبي في عالمنا العربي، فإن المفهوم الحقيقي له لا يزال غامضا، ولا تزال استخداماته وتطبيقاته بعيدة عن جوهر استخداماته الأصلية. وعلى الرغم أيضا من كثرة "استطلاعات الرأي العام" التي يعلن عنها، أو يتم نشر نتائجها باستمرار في وسائل الإعلام، أو في دوريات علمية عديدة، فإن مشكلات القياس التي تكشف عنها هذه الاستطلاعات، وهامش الخطأ الكبير الذي تستخدمه هذه القياسات، يشير إلى أنها استطلاعات رأي عام "وهمية" وأنها على أقل تقدير، قياسات"غير علمية".

انطلاقا من هذه الرؤية يجيء كتاب د. أيمن منصور ندا "الرأي العام وقياساته" حيث يرى أن قياس الرأي العام في عالمنا العربي يعاني من أخطاء نظرية مفاهيمية عديدة من ناحية، ومن "خطايا" عملية تطبيقية كثيرة من ناحية أخرى، وهو ما يجعل من الموقف الحالي له في عالمنا العربي واقعا "مأزوماً" وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل بجدية: هل توجد استطلاعات رأي عام حقيقية في العامل العربي، وهل لدينا "البنية المعلوماتية والمنهجية" القادرة على إنتاج استطلاعات وقياسات رأي عام يمكن الثقة بها والاعتماد عليها في قراءة المشهد العربى؟ وهل نحن قادرون في المستقبل القريب على تجاوز هذا الموقف؟ الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية يشكل محاولة في هذا الإطار الهادف إلى تجاوز الأزمة فى استطلاعات وقياسات الرأي العام، حيث استهدف د. ندا من خلاله إلى محاولة تقديم الرأي العام في الدراسات العربية بشكل جديد يخلصه من عديد من الشوائب التي لصقت به، ومن كثير من الأفكار المنطبعة التي تتردد عنه.

وهكذا يستعرض بعض قضاياه النظرية التي يثار حولها جدل كبير، كما يحاول أن نقدم دليلا إجرائيا يمكن من خلاله التعرف على أهم جوانب العملية والتطبيقية لاستطلاعات وقياسات الرأي العام، وهو بهذا يكون الكتاب نظريا تطبيقيا، يقدم لقارئه مجالا واسعًا من المقاربات النظرية الذائعة، ومن التجارب العملية المستمدة من عشرات الاستطلاعات التي تم عرض نتائجها.

قسم د. ندا كتابه إلى بابين اثنين: الأول نظري يتكون من خمسة فصول تتعلق بأهم القضايا النظرية والجوانب الفكرية المتصلة بالرأي العام، والثاني منهجي إجرائي يتكون أيضا من خمسة فصول تتعلق بأهم مراحل وإجراءات قياسات الرأي العام، وأخلاقيات القياس والنشر. إضافة إلى فصل أخير يعرض رؤية مستقبلية لتطوير دراسات الرأي العام العربية.

وعدّد د. ندا أهم التقنيات المستخدمة في التضليل الإعالمي:

1 - الحذف: حيث يقال إن الحقيقة هي أولى ضحايا الحرب، وعلى حد تعبير ستالين "في أوقات الحرب تكون الحقيقة ثمينة جدا، فينبغى أن تحاط بحارس شخصي والحرس الشخصي هي الأكاذيب". ويهدف هذا الحذف إلى تجنب الإحراج ‏السياسي وإخفاء سوء التسيير والتصرف أو الحفاظ على الأمن القومي.

2- التعتيم الإعلامي: ويعني السكوت والصمت بخصوص بعض الأحداث التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير في مواقف الرأي العام بشأن بعض القضايا.

3 - الإشاعات: وتستعمل بصفة خاصة عندما يكون الناس في حاجة ماسة إلى المعلومات أثناء الأزمات أو الصراعات.

4- اللغة المزدوجة: تتمثل في قول شيئين مختلفين حول نفس المشكل لاثنين أو أكثر من المخاطبين، الخطاب الداخلي في مقابل الخطاب الخارجي مثلا.

5 - تشويه السمعة: تشويه سمعة نظام سياسي أو مؤسسة أو شخصية عمومية بواسطة معلومات الافتراء والقذف أو بمعلومات حقيقية. وتلعب المعلومات الاستراتيجية دورا في هذا المجال.

وأكد ندا أن حرية تداول المعلومات، الشفافية والمصداقية تشكل المتطلبات الأساسية لمواجهة التأثيرات السلبية للشائعات، ولانتشارها في المجتمع المصري. ويقول:

"الشائعات لا توجد فى النور، الشائعات تنمو فى الظلام، وتتغذى على مصادرة حق الأفراد في أن يعلموا، وفي أن يعرفوا الحقيقة كاملة. هناك حق للأفراد فى أن يعلموا تفاصيل الموضوعات التي تتعلق بهم. كتمان الأمور، ووضعها جميعا تحت الشعار الخالد "أسرار عليا للدولة" لم يعد مفيدا، ولا عمليا خلال هذه الفترة، التي من أهم ملامحها الإنفجار المعرفي وثورة وسائل الاتصال تحتاج إلى إعادة نظر لحق الشعب في المعرفة الكاملة، حتى نقضي على الشائعات.

وشدد د. ندا على حاجة الباحثين العرب إلى رسم "خارطة جديدة" لنظريات الرأي العام، وتغيير "الحدود التقليدية" والأطر الكلاسيكية والأبعاد النمطية التي لم تعد تلبي الاحتياجات البحثية الراهنة ولا تقوم بدورها الوظيفي التفسيري في مجال الرأي العام.

وقال "لن يتأتى ذلك إلا من خلال رصد ومتابعة الاتجاهات والنظريات الحديثة، ومحاولة اختبارها وإخضاعها لمتطلبات واقعنا العربي بخصائصه وسماته الخاصة، كخطوة أولى "وإن طال زمنها وتعرض لها كثيرون بالنقد" نحو بناء نظرية أو عدة نظريات عربية تفسر ظاهرة الرأي العام في عالمنا العربي وتستطيع التنبؤ باتجاهاته وتوجهاته على نحو دقيق. ولسنا نرى في ذلك إفراطا في التفاؤل أو نراه مهمة مستحيلة.

ورأى د. ندا أنه في ضوء ما يشهده الواقع المصري من زيادة في عدد استطلاعات الرأي العام في السنوات الأخيرة بصفة عامة، وفي الخمس سنوات الأخيرة بصفة خاصة، وفي ضوء ما يمكن ملاحظته من عدم اتباع كثير من القواعد العامة التي تتفق عليها كافة المواثيق الأخلاقية والتي تتمحور أساسا حول مبدأي الموضوعية والكفاءة العلمية، وينطلق من مبدأ المسئولية العلمية والاجتماعية للباحث. وتكفل آلياته ممارسة هذه المسئولية من جهة، والمحاسبة العلمية والاجتماعية لمن ينتهك قواعده من ناحية أخرى، يبرز الاقتراح الخاص بوضع ميثاق شرف أخلاقي يخضع له كل الممارسين والعاملين في مجال الرأي العام، ويتم التحقق من تطبيق بنوده في كل ما يتعلق بهذا المجال.

ولا يمكن تصور وجود هذا الميثاق بدون وجود هيئة تضع بنوده، وتراقب تطبيقه وتعاقب من يخالفه، وفي هذا الصدد يمكن اقتراح تكوين رابطة تضم المهتمين بقياس الرأي العام في مصر، وتكون على غرار الروابط الدولية في هذا المجال.

وأكد د. ندا أن الدراسات العلمية المتعلقة بالرأي العام في مصر تواجه عديدا من المشكلات نظريا ومنهجيا وأخلاقيا، ويتطلب تطويرها خطة متعددة الأبعاد تحاول سد أوجه النقص في هذا المجال، ومعالجة العيوب في الدراسات المرتبطة به واستيعاب أوجه التطور العالمية واستدخالها فيه. ويجب أن تكون هذه الخطة متزامنة في تنفيذ أبعادها ومتكاملة في الجهود المبذولة لتحقيقها.

وخلص إلى عدد من التوصيات والمقترحات بشأن تطوير مجال الرأي العام تدريسا وممارسة ونشرا، ومنها:

ـ إدخال مقررات جديدة في دراسة الرأي العام والتركيز عليها مثل: نظرية القياس، تحليل الشبكات، بناء النظريات، الرأي العام الدولى وغيرها.

ـ إعادة الاعتبار إلى المدرسة النقدية وتضمين مدخلاتها في البحوث الإمبيريقية وإحداث التكامل والتوفيق بين أسس ومبادئ المدرستين.

ـ رد مدرسة الرأي العام إلى المجال الاجتماعي الأوسع بعيدا عن المحاولات المستمرة لتجزئته من ناحية، ولتكميمه من ناحية أخرى.

ـ الاهتمام بتطوير الأساليب الكيفية وتحسين مخرجاتها، وهو ما بدأت المدارس العلمية العالمية في التنبه إلى أهميته مؤخرا.

ـ البدء فى تأسيس مدرسة عربية للكتابة العلمية في بحوث الرأي العام تستخلص الأسس المشتركة للكتابة العلمية في المدارس العالمية الكبرى الأربعة، وتتواءم مع معطيات الكتابة العربية.

ـ تضمين بعض القضايا المشتركة محليا وعالميا في الأجندة البحثية المصرية بحيث يتم اختبارها محليا، والتأكد من توافقها مع نظامنا المجتمعي، ومع معطيات البيئة المصرية. ـ رسم خارطة جديدة لنظريات الرأي العام وتغيير الحدود التقليدية، والأطر الكلاسيكية والأبعاد النمطية التي لم تعد تلبي الاحتياجات البحثية الراهنة ولا تقوم بدورها الوظيفي التفسيري في مجال الرأي العام وصولا إلى نظرية عربية تستطيع تفسير الواقع العربي في مجال الرأي العام وتحليل مكوناته المختلفة.

ـ وضع ميثاق شرف أخلاقي يخضع له كل الممارسين والعاملين في مجال الرأي العام ويتم التحقق من تطبيق بنوده في كل ما يتعلق بهذا المجال.

ـ استيعاب التطورات التكنولوجية الحديثة مجال جمع البيانات من وتحسين جودة البيانات ومحاولة الاستفادة منها في المجتمع المصري والنظر في إمكانية استدخالها إلى البيئة المصرية بظروفها المستقلة، وسماتها الخاصة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
تفضيلات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً
إنفوجرافيك || تشكيل خلية طوارئ حكومية للتعامل مع أزمة السفينة
دولة رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك لصحيفة عكاظ
إنفوجرافيك.. رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك يعود للعاصمة المؤقتة عدن
بحضور رئيس الوزراء.. إنفوجرافيك