بسبب الحرب والنزوح والعقلية المجتمعية والفقر: ثلث سكان السودان أميّون
2017/09/09
الساعة 10:14 مساءاً
(العربي الجديد:)
أجبرتها ظروف عائلية قاهرة على ترك دراستها في سن صغيرة، غادرت أمّ كلثوم (47 عاما)، مقاعد الدراسة من الصف الرابع أساسي بعد أن أصيبت والدتها بمرض مزمن، عجزت معه عن رعاية إخوتها الصغار لتكرّس هذه المرأةالسودانية حياتها لخدمة أشقائها وتضحي بحبها وشغفها بالتعليم.
ورغم سعادتها اللامتناهية بتفوق أشقائها وتقدمهم في العلم، حيث نال أحدهم أخيرا درجة الدكتوراه، بينما الآخران تخرجا من كليات علمية مرموقة، وأصبح يشار إليهم بالبنان، إلا أن الشعور بالعجز والدونية يلازمها، بحسب ما تقول لـ”العربي الجديد”.
وتضيف “حاولت عدة مرات العودة لمقاعد الدراسة لكنني فشلت، ربما بسبب الحياء، لأنني كنت أدخل معاهد مع من هم أصغر مني سنا، وكثيرا ما قوبلت بالسخرية”. وتؤكد أنها تعاني بسبب أميتها وتشعر بالدونية حتى أمام أشقائها، “عندما يفتح أي نقاش بيني وبين إخوتي أنهيه قائلة: “لأنكم متعلمون ترون أنني لا أفهم شيئا”. وتكمل “رغم اقتناعي بأنهم لا يقصدون جرحي لكني لا أعرف لماذا يتسرب إليّ إحساس التقزّم أمامهم”، لافتة إلى أنها تتعرض لمواقف محرجة بسبب أميتها، ومن أكثر المواقف التي تذكرها وتحز في نفسها أنها ذهبت بمعية صديقاتها في الحي لاستخراج بعض الوثائق، فجميعهن وقعن على الوثائق، إلا هي بصمت عليها.
ولا يختلف حال سمية (27 عاما)، كثيراً عن حال أم كلثوم، فقد دفعتها الظروف أيضا إلى أن تكون ضمن قائمة الأميين، ولم تتح لها الفرصة حتى للولوج إلى المدرسة، لأنها نشأت في عائلة معدمة تماماً، وفقدت والدها في سن مبكرة، ما أجبرها على العمل في سن صغيرة لمساعدة والدتها في تربية إخوتها، لكنهم جميعهم لم يجدوا حظهم من التعليم بسبب الفقر.
تتمنى سمية أن تنجح في تعويض نفسها عن ترك الدراسة عبر أبنائها، وأن تتاح لهم فرص التعليم، لكنها تشك في ذلك، بسبب الفقر المدقع الذي تعانيه وزوجها الذي بالكاد استطاع أن يسجل أحد ابنيه، بينما عجز عن توفير المال للابن الثاني حتى يمكّنه من دخول الروضة (عمره خمسة أعوام)، وتؤكد أن لها رغبة حقيقية في العودة لصفوف التعليم إذا توفر لها ذلك بالنظر لأهميته.
وتوضح “كثيرا ما يؤلمني أنني لا أستطيع مراجعة دروس ابني ولا الاطلاع على ما قام بتحصيله من دروس، وما يصيبني في مقتل عندما يطلب مني أن أراجع معه دروسه ولا أعرف بماذا أجيبه، وقد يخبره أصدقاؤه بأن أمهاتهم راجعوا لهم دروسهم”، وتؤكد أنها خسرت الكثير بسبب عدم التعليم، “لا أستطيع أن أقرأ لافتات المحلات والطرقات لأصل إليها دون وسيط، كما يمكن أن يجعلني شخص ما أوقع على ورقة بفهم معين وتكون خلافا لذلك، كما حدث مع كثيرات تربطني بهم علاقة فقدن ما يمكلن من أراض ومنازل بسبب الأمية”.
أمّ كلثوم وسمية نموذجان عن ما يزيد عن تسعة ملايين سوداني يعانون من الأمية، أي ما يعادل ثلث سكان البلاد، وفقا لإحصائية رسمية، بسبب ظروف مختلفة، بينها الحرب والنزوح والعقلية المجتمعية والفقر والتواجد في بيئة رعوية متنقلة.
وفي سبتمبر/أيلول من العام 2015، أطلقت الحكومة السودانية حملة تمتد لخمسة أعوام لمحو الأمية في البلاد بشكل كامل، رصدت لها مبلغ مليون جنيه، لكنها حتى الآن لم تحقق أهدافها، وفقا لمراقبين، مع الزيادة المضطردة في عدد الأميين، لا سيما في ظل تسرب الطلاب من المدارس بسبب الفقر ودخولهم لسوق العمل.
وأخيرا أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة “اليونيسف” تسرب نحو ثلاثة ملايين طفل سوداني من المدرسة تراوح أعمارهم بين (5 و13 عاما).
وتواجه الحكومة السودانية بحزمة انتقادات لإهمالها قطاع التعليم، حيث عادة ما يشكو القطاع من ضعف الميزانية، ما يؤثر في خطط الترقية، فضلا عن إسهام الخطوة في تدهور التعليم وبيئته وتسرب الطلاب والمعلمين معا.
وخصصت الحكومة في موازنة العام الحالي نحو 28 مليون جنيه سوداني، بينما خصص لقطاع الدفاع والأمن ما يزيد عن الـ29 مليار جنيه سوداني.
كما ظهرت عدة مبادرات لشباب ومنظمات مجتمع مدني للمساهمة في محو الأمية والحد من تسرب التلاميذ من المدرس، بالتدريس في الشارع العام وبمواقع عمل الأطفال في الأسواق مقابل حزمة تحفيزات لضمان انضمامهم للصف.
وتواجه خطط الحكومة لمجابهة الأمية بكثير من النقد، حيث يرى البعض أن قضية التعليم برمتها لا تدخل ضمن اهتمامات الدولة بالنظر إلى توسعها في المدارس الخاصة وتشجيعها لرفع المسؤولية عنها وتحويل التعليم لسلعة، بالإضافة إلى المعاناة التي تعيشها المدارس الحكومية في ما يتعلق بمرتبات الأساتذة الهزيلة وغياب الكتاب المدرسي وبيعه في السوق السوداء، ثم رداءة البيئة المدرسية، وفشل حملتها لمحو الأمية والتي شارفت على نهاياتها دون أن تحقق شيئا على أرض الواقع.
ويرى الخبير التربوي أحمد الحاج، أن الأمية في أي بلد مؤشر على تخلفها، ومساعي الحكومة في الحد منها غير جادة، بالنظر إلى غياب استراتيجية قومية لمعالجة الأزمة وتوفير الإمكانات المادية والمعنوية لإنجاح أي مشروع لمحو الأمية عبر تحديد توقيت زمني، وتوفير البنيات الأساسية والضرورية، فضلا عن إبداء التزام بمحو أمية الكبار لتجفيف منابع الأمية.
ويؤكد مدير هيئة محو الأمية بوزارة التربية السودانية محمد حماد، أن الحكومة بذلت ولا زالت مجهودات لإنهاء الأمية، مشيرا إلى اللجان العليا التي كونت للحملة القومية لمحو الأمية، فضلا عن مجموعة اللجان المختلفة بالولايات السودانية وبرئاسة وزراء التربية ورعاية مباشرة من حكام تلك الولايات، فضلا عن تكوين مجلس تنسيق المنظمات العاملة في مجال محو الأمية، والبدء في تكوين الشبكة السودانية لمحو أمية وتعليم الكبار.
وأشار إلى الاستمرار في مشاريع تعليم الأطفال والشباب خارج المدرسة، بينها مشروع “علم طفلا” الذي انطلق بدعم من منظمة “يونسيف” والشيخة موزا، والذي استهدف تعليم 600 ألف طفل في 15 ولاية سودانية.
وأكد حماد أن الوزارة تستهدف هذا العام محو أمية نحو 75 ألف شخص لاستيعاب ما نسبته 75 في المائة من الأميين في المراكز المختلفة بـ15 ولاية سودانية، كما يتم توزيع نحو 15 ألف خريج كليات تربية سنويا على تلك المراكز.
وأقر حماد بالزيادة المضطردة في أعداد الأميين، وعزا ذلك للنمو السكاني وظاهرة التسرب من المدارس، ولكنه أكد في الوقت نفسه وجود تقدم إيجابي في مكافحة الظاهرة، مشيرا إلى غياب إحصائيات دقيقة لنسب الأمية في البلاد. ولكن وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الذي تم في 2008، فإن مؤشرات الأمية قد تصل إلى 29 في المائة.
واعتبر حماد أن أهم التحديات التي تواجههم في جعل التعليم ضمن أولويات الدولة والولايات، تتمثل في زيادة الدعم الحكومي والحد من ظاهرة التسرب، فضلا عن زيادة نسب الاستيعاب في التعليم الأساسي، بجانب استقطاب مزيد من الدعم من المنظمات والمانحين.