- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
أن من يكتب في هذا المجال الحسي الكبير لا بد أن يمتلك رؤى وأفكارا وصورا يستطيع فيها المتلقي أن يشاهد قيما أخرى جديدة في معنى الحب. نعم كان ولا يزال له رواده الكبار في عصرنا الحديث من نزار قباني إلى من سبقه ومن بعده.
تؤكد الرومانسية بأن قوة المشاعر والعواطف والخيال الجامح هو المصدر الحقيقي والأصيل للتجارب الجمالية.
وقد تميز هذا النمط الشعري بالعبقرية الفرديّة والتعبير عن العواطف الذاتية، والانسياق مع تمنيات الخيال والحريّة في المضامين والأشكال، فالشعراء الرومانسيون عادوا إلى الشعر الغنائي الذي كان منتشراً من قبل في مختلف العصور، لأن الغنائية هي خصوصية من خصوصيات الشعر ولعلها تكون أهمّ مميزاته.
وقد مهدّ لها شعراء ما قبل الكلاسيكية مثل: رونسار وجماعته في فرنسا. بترارك في إيطاليا. غوته في مرحلته الرومانسية في ألمانيا. بايرون في إنكلترا.
وهكذا يستمر الامتداد الفكر الرومانسي الشعري من خلال قصائد النثر بروحية متجددة، ملتزمة بالسياقات العامة لها لكن تحمل الكثير من الموسيقى الشعرية. وقد استطاعت أن تدخل في عالم الغناء كقصيدة مغناة.
ونرى ذلك بشكل مركز في ديوان "شفاه الموج" للشاعرة السورية ليندا تقلا الذي اعتبره نقلة متميزة في هذا الاتجاه.
ففي نص "نبض قلبي" تقول:
وقفت أجادل روحي
أهي تهواك أم أنك غفوت لبرهة بين ضلوعي
أم أنك نسجت لنفسك سريرا بين ثنايا قلبي
مهدا مريحا يأبى التنازل عن رائحة تغلغت فيه
هي الحوار الذاتي في المخاطبة بين العاشق والمعشوق. وتلك المكانة التي وصل اليها حتى أصبح نبض القلب الذي هو سر استمراية الحياة.
وتكمل شاعرتنا ليندا هذه الاشواط من حب كبير حين تخاطب كل حبيب:
تعال وأستوطن شرفتي
وللم شرودي
وأسمع ثرثرتي
تعال وأشعل مواقد
الرحيل على أوتار صمتي
هنا المناجاة دعوة صريحة أن يكون الحب دائم الحضور في كل تفاصيل الحياة اليومية. شرفة البيت والشرود والثرثرة والصمت بالرغم من المتناقضات، لكن هي مجموعة الاحاسيس الانسانية التي وصلت قمة الذروة.
إن وصف البعد الجعرافي والزمني صورته الشاعرة بشكل متناسق فيه شجن كبير ولوعة:
أرهقني البعادُ
حتى بكت السماء
مشفقة على أحزاني
تعال واقبل دعوتي
على شرف النزف
وتهيأ لعرس وداعي
وتبقى معضلة الفراق الأصعب والأعقد في الحب.
فتصورها الشاعرة بصور مذهلة في المعاناة:
أيها الفجر الضائع
متى تراني القاك
أمحو بك ليل وجعي
أدفن ذكريات عشقي
فقد مللت الليل الطويل
عيون القمر تهمس من بعيد
في كل همسة نداءُ الليل
أن الانتقالات المقنعة ذات التسلسل المنطقي أعطت للديوان المقبولة في السبيية، فمازالت الشاعرة تصف حالة الحب وهذه المرة ذاتها المفعمة بعمق وجوهر الحب:
أيتها الحالمة في متاهات الحياة
تنتظرين بعيون العاشقة المتيمة
تبحثين عن طيف من تحبين
بين خفايا النجوم
تتأملين..
تنسجين قصة عشق مخملية
لانه بلا تعقيدات أو مجاملات يشكل لها أكبر واعظم الأشياء.. فتقول:
حبك قطراتُ مطر
سحابة شتاء معطرة بحبات الندى
محملة بروح السماء
حاملة ًلأرض العطاء
منبتة الخير في كل مكان
هنا أصبح الحب نماء يزرع الارض محبة وصفاء، فهي تؤمن أن الحب الحقيقي منبعه الله عز وجل الذي جعله خلاص وتطهير للإنسانية من أدرانها وبغضها.
ويبقى الحب سيد الارض .. فمنذ الأزل تواترت لنا قصص الحب.. وتعاطفنا معها، بل كانت دائما تراود خيالنا منذ كنا صغارا أو في أوج مراهقتنا. كلنا احببنا ليلى العامرية، وبثينة، وجوليت، وديدمونة. وهنا مع ليندا تقلا قصة حب متجددة برومانسية عالية:
حين أشعر بالشوق اليك
أغمض عيني
واستحضر ذكراك في اعماقي
القي التحية.. أهامسك
وحينها يحتل عطرك أنفاسي
"شفاه الموج" تكلم لأول مرة بلسان الشاعرة، فموجه كلام وعمقه محتوى. إنه استعراض جديد لمعنى أن تكون عاشقا رومانسيا بامتياز.
هي دعوة للحب يعلنها البحر رغم غدره، لأن من يعبر أعماقه، هو من يؤمن به ويحبه.
الديوان صدر عن مؤسسة سوريانا للإنتاج الإعلامي من الحجم المتوسط وبعدد صفحات 120.
المقالات
كتابات وآراء
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر