فتحت "رؤية 2030" أبواب مستقبل طموح للمملكة العربية السعودية، وأعطت الاستثمار أولوية قصوى وحضوراً أقوى، ليوقن العالم أن السعودية دخلت حقبة جديدة بوتيرة إصلاحات لم يسبق إليها كمن يسابق عجلة الزمن لينتصر عليها أخيراً.
ودفع ما أنجزته المملكة من إصلاحات اقتصادية إلى أن ترفع وكالات التصنيف الدولية لها "القبعة"، مشيدةً بفاعلية التطورات والمبادرات في إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي بعيداً عن "الكنز الأسود".
منذ ذلك الحين، وضعت المملكة نصب عينها أن يصبح صندوقها السيادي قوة محرّكة للاستثمار والجهة الاستثمارية الأكثر تأثيراً على مستوى العالم بأصول تقع تحت إدارته بمليارات الدولارات، فضلاً عن جذب أهم الشركات الأجنبية لضخ استثمارات في البلاد.
زيارة الأمير محمد بن سلمان التاريخية إلى أميركا، مثلت تغييرا جذريا في نظرة الشركات الأجنبية للاقتصاد السعودي، حيث أسفر عنها صفقات "مليارية" وشراكات ثنائية تجاوزت قيمتها الـ128 مليار دولار بين أهم الشركات السعودية ونظيرتها الأميركية في مجالات بناء القدرات المحلية وتطوير أنظمة الطائرات والسفن الحربية والمركبات بنسبة توطين لا تقل عن 50%.
موجة الإصلاحات التي قادتها رؤية 2030 و برنامج التحول الوطني ، شملت أيضاً تطوير السوق المالية، وهو ما مهد إلى ترقية السوق السعودية على مؤشري "فوتسي راسل" و"MSCI" للأسواق الناشئة في مارس ويونيو الماضيين، في وقت تعتزم "ستاندر آند بورز داو جونز" ضم السوق إلى مؤشراتها للأسواق الناشئة في مارس 2019.
ولعل أبرز تلك الإنجازات التي طرأت على السوق المالية السعودية: تعديل المدة الزمنية لتسوية صفقات الأوراق المالية المدرجة في السوق لتكون خلال يومي عمل لاحقين لتاريخ تنفيذ الصفقة (T+2)، وتعديل نموذج إدارة المحافظ المستقلة، إلى جانب تمكين الهيئة للمستثمرين الأجانب المؤهلين من الاكتتاب في الشركات السعودية، وإطلاق نمو السوق الموازية، بالإضافة إلى إطلاق صناديق الاستثمار العقارية المتداولة (ريتس).
تحسن مالي وتراجع قياسي للعجز
هذا على مستوى سوق الأسهم، أمّا من يمعن التدقيق في أرقام المالية المعلنة عن أداء الميزانية السعودية للربع الثاني من العام الجاري، إنما هي انعكاس واضح للتحسن في أداء المالية العامة، واستمرار الجهود المبذولة لتنفيذ الخطط الإصلاحية الرامية إلى التنويع الاقتصادي.
فقد حققت المملكة تراجعاً قياسياً في عجز الميزانية للربع الثاني بنسبة 84%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى نمو الإيرادات.
اللافت في رؤية المملكة، أنه منذ إطلاقها، قد أعطت أولوية كبرى للقطاع السياحة كمورد مهم للإيرادات غير النفطية، والمتوقع أن تصل مساهمته في الناتج المحلي إلى 300 مليار ريال بحلول 2026 بحسب منظمة السياحة العالمية.
ولم يتوانَ الأمير محمد بن سلمان عن إطلاق مشاريع سياحية ضخمة أبهرت العالم إن كان بتصاميمها أو بموقعها الجغرافي أو برؤوس الأموال التي ستضخ فيها، من أبرزها:
- مشروع "نيوم" وهي منطقة اقتصادية وسياحية وترفيهية ضخمة في شمال غربي البلاد باستثمارات بقيمة 500 مليار دولار.
- مشروع "القدية" وهي أكبر مدينة ترفيهية ثقافية ورياضية عالمية، جنوب غربي العاصمة الرياض.
- المشروع السياحي العالمي الذي تم إطلاقه تحت اسم مشروع "البحر الأحمر".
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ كان للقطاع الثقافي والترفيهي حيز مهم في رؤية المملكة، حيث تم البدء بمنح تراخيص للراغبين بفتح دور سينما في المملكة مطلع أبريل الماضي، وتشير التوقعات إلى أن القطاع السينمائي سيساهم بنحو 90 مليار ريال إلى إجمالي الناتج المحلي.
"رؤية شمسية" تفوق نظيراتها بـ100 مرة
وبما أن السعودية تتمتع بأهم مورد للطاقة المتجددة وهو الطاقة الشمسية، أخذت على عاتقها أن تفتتح "صفحة" جديدة في تاريخ صناعة الطاقة الشمسية والمشاريع الكهروضوئية، عبر إعلانها في مارس الماضي بالتعاون مع "سوفت بنك" عن أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم لإنتاج 200 غيغاواط في السعودية بقيمة تصل إلى 200 مليار دولار.
لم يغب القطاع العقاري عن برامج الإصلاح الاقتصادي، فقد كان لسياسات برامج وزارة الإسكان السعودية دور مهم في تطبيق رؤية المملكة عبر رفع نسبة تملك المواطنين السعوديين للمساكن إلى 60% حالياً، محرزة بذلك الهدف الذي كان مرسوما للعام 2020.
لكن في ظل البرامج الإسكانية الجديدة، تنوعت الخيارات الإسكانية ما بين قروض مدعومة من صندوق التنمية العقارية أو وحدات جاهزة أو وحدات على الخارطة أو البناء الذاتي، ما مكن الفئة الشابة من التملك ضمن 300 ألف خيار سكني وتمويلي مستهدف ضخه في جميع مناطق المملكة للعام 2018، هذا إلى جانب 280 ألف خيار سكني ضخت بالسوق في العام السابق.