- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
خلّفت الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات الآلاف من المشرّدين وخاصة في العاصمة صنعاء، فمنهم من يفترش الأرض في الشوارع ويعيش على حسنات الناس، فيما تدبر آخرون أكواخا ليسكنوها في غياب أبسط مقومات السكن، فلا ماء ولا صرف صحيّا، فقط كوخ بسيط يحميهم حرارة الشمس لكنه لا يقاوم برد الشتاء وهول الأمطار.
ويزداد خوف هؤلاء المشردين مع قرب قدوم الشتاء، فهم لا يملكون سقفا يحميهم ولا ثيابا ولا طعاما يقاومون بهما البرد القارس.
الطريف أن تاجرا صغيرا أفلست تجارته فأجبر على مغادرة محله ليجد سكنا له في شجرة بعدما فقد محل البقالة الخاص به ومنزله بسبب الفقر والحرب المستشرية في البلاد.
ولجأ آخرون للسكن في الكهوف في أعالي الجبال بعدما دمّرت الحرب الأخضر واليابس في اليمن السعيد.
وكان الشاب (29 عاما) يملك محل بقالة صغيرا قبل بضعة أشهر، ولكنه يقول إن “الأسعار ارتفعت وتراكمت عليه الديون”.
وكان زبائن محل البقالة يشترون بالدين، ولم يتمكنوا من دفع ثمن البضائع ما تسبب في إفلاسه وجعله عاجزا عن دفع إيجار متجره الصغير في جنوب صنعاء.
واضطر أحمد الحبيشي إلى النوم في الشارع، ثم راودته فكرة اتخاذ مسكن في شجرة في شارع الثلاثين جنوب العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين.
ويصعد الشاب وينزل برشاقة من مسكنه المبني من مخلّفات الخشب في بقالته. ولديه أيضا لوح شمسي صغير من أجل الإنارة لكن المنزل يفتقر إلى المياه الجارية. وقام أحمد أيضا بسد منافذ المسكن اتقاء للبرد.
وبالقرب من الشجرة، يشرف الحبيشي على لعبة “بيبي فوت” يمارسها أطفال الحي. ويؤكد أنه يكسب ما يكفي منها لسد حاجته من الطعام.
ويقول الشاب اليمني، “تأخّرت عن دفع الإيجار لشهر، ما أغضب المالك وجعله يطلب مني أن أغادر. لقد طردني، ورمى أغراضي في الشارع. شعرت بالإهانة، وكان الجميع ينظرون إلي وكأنني شخص مجنون”.
ويرى أحمد أن العيش في شجرة “أفضل من الشارع. فلا أحد يأتي ليطلب الإيجار هنا”.ومن وجدوا أنفسهم في الشوارع ذاقوا أهوال الطقس خاصة في الشتاء.
ويقول محمد الذي وجد نفسه وعائلته في العراء، “عندما تتساقط الأمطار ولا أجد أغطية بلاستيكية نحتمي بها، أضم أطفالي وزوجتي وأبكي”. محمد لا يملك غير البكاء والصبر، منتظرا حلا يأتيه من حيث لا يدري فيتدبر سكنا يحمي عائلته برد الشتاء القادم على الأبواب.
ويقول حسن، الذي يسكن الشوارع، إنه يعيش على التسول فلا عمل له في هذه الظروف وعلى الرغم من أن البعض يطعمه ويعطف عليه لكنّ آخرين يطردونه بل وينهرونه، “لم يكن اليمنيون كذلك، لكن الحرب والخصاصة زادتاهم قسوة، وعلى الرغم من أن كلامهم يؤذيني لكنني أتفهم الأمر، فالناس كلها على شفا الفقر”.
وتشيرُ الإحصائيات إلى أن نسبة تزايد أعداد المشردين نتيجة الظروف المعيشة الصعبة وأزمة الصراع القائمة وصلت إلى 85 بالمئة، والبعض الآخر استهلك كل ما لديه من مدخرات فلجأ إلى الشارع بحثا عن مساعدة تطعم أسرته.
وعلى رصيف الشارع بجانب الجامع الكبير في صنعاء القديمة يجلس أكثر من شيخ وكهل ينتظرون من يساعدهم.
ويقول العم إبراهيم، “تركت عائلتي في مدينة الحديدة وأتيت إلى صنعاء بحثا عن شغل أعيل به عائلتي لكنني انتهيت إلى الرصيف أتسول، فأحيانا يساعدني البعض والكثير من الأحيان الأخرى أنام على لحم بطني، ولا أعرف مصير أولادي وزوجتي منذ أشهر ولا أعرف إلى متى سيظل هذا الحال البائس”.
ويتخذ المشردون من البنايات المهجورة مساكن لهم معرضين أنفسهم لمخاطر الإجرام، وبعضهم الآخر يختار التنقل من مكان إلى آخر بحثا عن أمان قلما يعثرون عليه خصوصا في فصل الشتاء.
فيما صنف آخر من المشردين سكن مجاري الصرف الصحي منهم عائلات وأطفال يتامى في وضع يفتقر إلى أبسط مقومات العيش، يمضون يومهم في البحث عما يبقيهم على قيد الحياة.
ويقول محمد، الذي ترك وأطفاله البيت بعد أن عجز عن دفع الإيجار، ليس لدي من خيار سوى السكن في العراء وفي فصل الشتاء ألتجئ وأطفالي وزوجي إلى قنوات الصرف الصحي التي لا نستطيع النوم فيها بلا فرش ولا أغطية، لكنها تقينا شيئا من البرد القارس.
ويعاني هؤلاء من مختلف الأمراض التي تنجر عن البيئة الملوثة وكثرة الحشرات، لكنهم يظلون عاجزين عن توفير ثمن الدواء ما يجعل أمراضهم تتفاقم وتصبح أكثر خطورة.
وتعاني النساء والأطفال المشردون من مخاطر الشارع والاستغلال فلا يجدون من يساعدهم على أهوال الجوع والمرض منتظرين اليوم الذي يعودون فيه إلى ديارهم.
وتقول نهى، التي وصلت إلى صنعاء منذ سنة بعد أن اشتد القتال في مدينة تعز وخسرت زوجها، إنها قدمت مع طفليها وبعض المدخرات التي مكنتها من استئجار غرفة في حي شعبي، لكنها اليوم وجدت نفسها في الشوارع بعد أن فقدت كل ما لديها وظلت بلا مأوى ولا طعام، “نحن منسيون هنا لا أحد يلتفت إلينا وأعداد المشردين في صنعاء ترتفع يوما بعد آخر”.
وتتساءل الأرملة عن اليوم الذي تستطيع فيه العودة إلى بيتها بين أهلها وجيرانها الذين تعتقد أنهم سوف لن يتركوها وأطفالها فريسة للجوع.
ويعاني الأطفال اليتامى الذين لا يملكون هويات ولا بيوتا ولا أهالي من الفقر، فبدلا من أن يكونوا في مقاعد الدراسة بملابس نظيفة، يعانون من الأوساخ والأمراض ويعيشون من التسول والبحث في القمامة التي أصبحت لا تجود بشيء، هم لا يعرفون اللعب والمرح ووجوههم مكفهرة يغلب عليها الخوف والحزن.
المقالات
كتابات وآراء
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر