الرئيسية - ثقافة وأدب - رسول حمزاتوف.. مسؤول عن مصير الإنسان
رسول حمزاتوف.. مسؤول عن مصير الإنسان
الساعة 03:49 صباحاً (الأحرار نت / بقلم: صبحي فحماوي:)
أرجو أن يتأخر الموت كي لا أدع الكلمة يتيمة بعدي

كأنني مسكون بهذا الشاعر الجميل "رسول حمزاتوف". شاهدت أحد كتبه في معرض عمَّان الدولي للكتاب الذي اختتم مؤخراً. كان من إصدارات دار الفارابي اللبنانية، بعنوان "رسول حمزاتوف.. قصائد مختارة" ترجمة الدكتور مسوّح مسوّح.

ذلك الشاعر الذي كتب آيات المجد حول الجمال والبشاعة، عن أضواء الحياة الساحرة، وألوان أحذية الشهداء، وعن الأنهار الهادرة المياه لأماني أوزبكستان، والسيول العفنة لخيباتها. رسول حمزاتوف الذي جاحَ بمآسي الحرب، وغدر الخيانة، ومرارة الكذب، وبشاعة الدمار، وبؤس الفقر.. بينما كثير من شعرائنا الحاليين لا يهزون حتى الهواء بكلامهم الفارغ.

يقول حمزاتوف في كتابه "قصائد مختارة" صفحة 8، 9:

"كنت في طفولتي أتشاجر مع أترابي، دفاعا عن شرف العائلة، ثم كبرت، فصرت أقاتل من أجل قريتي، ثم جمهوريتي داغستان، ثم من أجل روسيا الاتحادية كلها، واليوم أرى نفسي مسؤولا عن كرتنا الأرضية كلها، وعن مصير البشرية جمعاء.. فالشعر بلا نضال، هو شعر بلا حب".

وعن الشعر وحب الجمال يقول حمزاتوف ص. 11، 12:

"الحب وجمال المرأة، لا يستغني عنهما شاعر على الشعراء أن يكونوا أطباء الحياة، فتكون أغانيهم دواء، وقصائدهم تحمل الشفاء".

كان حمزاتوف هو الرسول الذي عرّف أهل روسيا وأهل الكرة الأرضية على بلاده داغستان، تلك البلاد التي أهدت إلى روسيا والعالم بأسره؛ شعراء وعلماء، وسياسيين ومحاربين، وفنانين، وفلاسفة، صاغة موسيقيين ومهندسين وأطباء..حسب قوله.

وفي دفاعه عن السلام في بلاده، عندما دخلت مجموعة إرهابيين من الشيشان إلى داغستان، لم ينزو الشاعر حمزاتوف بعيداً، بل قال بالفم الملآن: "هؤلاء ليسوا رجالاً" وأكمل يقول:

"كثيراً ما أفكر أن الأرض .. كل الأرض كلها وطني.. وبيتي أينما وجدت المعارك والنار والمدافع يحترق بيتي".

وعندما التقاه صديقه "محمد عبدالخبيروف" سأله:

"كيف صحتك يا رسول؟" أجاب:

"لا يليق أن تكون سليما في مجتمع مريض".

وعندما التقاه (سوسولوف) فيلسوف الحزب الشيوعي السوفياتي قال له:

"زوجتي تحبك يا رسول." فأجاب، بصفته معارضاً لتصرفات الدولة الشيوعية:

"وما الذي يمنعكم أنتم من محبتي؟"

ولنستمتع بشعر حمزاتوف، دعني أنسخ لك من أشعاره:

"جاء البشر مندفعين إلى الأرض لم يصلوه بسبب ضلالهم بل ضلوا بعد أن وصلوه".

ومن أشعاره:

"أحب قريتي الصغيرة تسادا أحب كل النساء التي فيها ولكنك لن تجدي بينهن منافسة لكِ لقد قسمت نساء الأرض إلى قسمين أنت، ومن بقي منهن".

إنه يحب نساء القرية كلهن.. يحب كل نساء الأرض..

ولكن محبوبته تعادل نساء الأرض كلهن.

شعر بسيط، سهل ممتنع، يصعب على الآخرين رسمه. لاحظ تغزله بمحبوبته:

"المطر ينهمر أمام النافذة.. أفكر فيك الثلج يغمر الحديقة.. أفكر فيك. يا لوضوح الصباح.. أفكر فيك الصيف يقرع الباب.. أفكر فيك تطير نحوي العصافير..أفكر فيك تطير عائدة..أفكر فيك لا أقوى على شيء .. أفكر فيك أنت فتاة طيبة لأنني ليلا ونهارا أفكر فيك"

ماذا تريد منه محبوبته أكثر من هذا العشق الذي يخامره في كل الفصول..

بين كل المعطيات.. بين كل الناس، هو يرى كل شيء، بينما طيفها مطبوع على صور الأشياء كلها..

اقرأ هذه القصيدة المختلفة:

"شكراً أيها الطيارون الأعزاء بفضلكم رأيت العالم

رأيت بحاره وأرضه وأنا في السماء.. شكرا لكم أيها المترجمون الأفاضل فبفضل ترجماتكم لأشعاري عرفت المناطق البعيدة أغنياتي الجميلة..

أقرأ هذا وأنا أضحك، لأن قصيدته ستكون بحاجة إلى تدوير، إذ أن الطائرات بدأت تطير وتهبط ذاتياً، بالتوجيه الإلكتروني، بلا طيارين.. وأن الترجمة صارت تتم بلا مترجمين، وذلك بنظام الترجمة الإلكترونية. فكيف سيتصرف الرسول بعد غيابه عن شاشات رادارات الطائرات والمترجمين؟

وحيث إن الشعر لا يُقرأ نقديا، بل يُتذوق، دعني أقرأ لك سطورا مختارة، من مختارات رسول حمزاتوف؛ "جبت العالم ثانية

رأيت النار تأكل كل شيء اللوحات والسفن ودور العبادة." ص.44

كان كغيره من الشعراء والمبدعين العظماء، يرى أن الأرض ستكون ظمأى، إذا لم ينزل مطره عليها .. وذلك بقوله:

"أرجو أن يتأخر الموت كي لا أدع الكلمة يتيمة بعدي ولا أدع من أحبهم بلا حب".

هنا هو بغروره الجمالي الذي يستحق الغرور، يعتقد أن (الكلمة – كل الكلام) وليست كلماته هو، ستكون يتيمة بعد رسول.. سيتيتّم الشعر، كل الشعر بعده..

وأما محبوباته – حسب مشاعره - فلن يجدن من يعشقهن بعده:

..لا يا حبيبي.. هنالك أشخاص نسميهم (عاشقو الحزانى) أي الباحثون عن الأرامل.. والثكالى.. فلا تخف.. هنالك من يترمم.. وهم كثر.. وفي قصيدة "صلاة"، يقول:

حين تصعد القمم الزرقاء حين تلمس قبة السماء باليد حين تسمع كيف يهدر النهر في المضيق حين ترى الطائر يدور في الفضاء وفي الشعاب الجبلية المتعرجة تتسلق القطعان ستصلي للأرض العزيزة مع أنك لم تصل مرة في الحياة حين ترى الشمس تغرق في البحر وتشق الماء إلى نصفين ستنحني مصلياً مع أنك لم تصل مرة في الحياة"

إنه مثل إخناتون، يؤمن بإلإله أتون، الشمس، الذي عندما يطل على الأرض، تحيا بنوره الكائنات، وعندما يغطس في البحر، تغيب الحياة عن الأرض. كم أنت عظيم يا إخناتون..(أخٌ ل أتون).. إله الشمس.. وعن هدفه في الحياة يقول:

"أريد أن أعمل، أعيش، أكتب أخدم الناس حتى آخر نفس.."

كيف تريدني أن لا أعشق الرسول حمزاتوف، عاشق جماليات الحياة، وهو الذي كرّس نفسه لإبهاجنا بأشعاره، التي هي موسيقى ساحرة، تجعل الحياة الكئيبة، على سطح الأرض، سعيدة، مزركشة الألوان، وتستحق أن تعاش؟ لاحظ كيف يمسح الحزن عن أحفاده الصغار:

"لماذا تبكين يا زغلولتي؟ إن لك أما وأباً وعلى سريرك ينحني الأهل لقد عشت عمري يتيما كان المفروض أن أبكي أنا أما أنتِ، فلم هذا البكاء الحارق؟" وكما قلت إن الشعر لا يحتاج إلى نقد ، ولكن بحاجة لمن يتذوقه.

محبتي للرسول حمزاتوف، ولكل من يتذوق الشعر الجميل.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
تفضيلات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
إنفوجرافيك || تشكيل خلية طوارئ حكومية للتعامل مع أزمة السفينة
دولة رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك لصحيفة عكاظ
إنفوجرافيك.. رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك يعود للعاصمة المؤقتة عدن
بحضور رئيس الوزراء.. إنفوجرافيك