نشر الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله، الأحد الماضي، مقالًا مطولًا في صحيفة العرب الإماراتية، الصادرة من لندن، بعنوان " اليمن وتعقيداته... وعقل عبدربه". حاول صاحب المقال، حشد أكبر قدر ممكن من القصص والمواقف المفترضة ليثبت من خلالها أن الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته الشرعية برئاسة الدكتور أحمد عبيد بن دغر- وهما القياديان في حزب المؤتمر الشعبي العام- قد "افتعلوا" أزمة جزيرة سقطرى "من لاشيء"، تنفيذًا لرغبات "الإخوان المسلمين" في إشارة لحزب الإصلاح.
هكذا، وبكل بساطة وسطحية.. أراد خير الله أن يقول للقارئ العربي بأن قيادات مؤتمرية عريقة، تتحرك وفق ما يريده حزب سياسي منافس لحزبهم في البلد..! بهذا الشكل يتم استخدام فزاعة الإخوان لإرهاب اليمنيين وإجبارهم على تقديم التنازلات، وهي بالمناسبة نفس الفزاعة التي استخدمها الحوثيون لتخدير اليمنيين والسيطرة على البلاد.
بداية، أثمن للكاتب خير الله اهتمامه الدائم ووفاءه لصديقه الرئيس السابق علي عبدالله صالح حتى بعد وفاته، وكذا أثمن له وقوفه الصلب في وجه الأطماع الإيرانية في المنطقة بدءًا بلبنان ومرورا بالعراق واليمن وسورية، مع ذلك فإن تحامله الشرس على الرئيس هادي في مقاله آنف الذكر، قد أفقد قلمه الكثير من البريق، خصوصًا وأنه ساق في المقال مغالطات تاريخية حول الرئيس هادي لم يعد يهرف بها حتى أشد معارضيه.. وهو تحامل يؤلم كل يمني أيًا كان موقفه من سياسات الرئيس وحكومته. لقد تهرّب الكاتب من مناقشة صوابية إجراءات الحكومة في الدفاع عن السيادة الوطنية لأنه يدري أنها على حق وأن أي حكومة تحترم نفسها ليس أمامها إلا أن تسلك نفس المسلك، في المقابل أوغل في النيل الشخصي من رمز البلاد وحامل لواء الشرعية بطريقة أفقدت قلمه الكثير من متابعيه داخل اليمن.
دعونا نراجع ما حدث في سقطرى بالضبط.. طلبت طائرات إماراتية الإذن بالهبوط في مطار الجزيرة، بعدما أكدت أنها تحمل مساعدات على متنها. لكن الذي حدث، أن الطائرات كانت محملة بآليات عسكرية وجنود سيطروا على المطار والميناء أيضًا عقب الهبوط مباشرة، وقاموا بطرد الحماية والموظفين بطريقة مهينة، بل وأنزلوا العلم اليمني من على المباني.
ما الذي كان على الرئيس هادي ورئيس الوزراء بن دغر أن يفعلاه أمام هذه الخطوات الاستفزازية؟ هل كان عليهم أن يباركوها مثلًا؟ هل كان على الحكومة أن تصمت لتؤكد ما يقوله الحوثيون للشعب اليمني منذ ثلاث سنوات عبر وسائل إعلامهم حول قيام هادي وحكومته ببيع سقطرى للإمارات؟!
حاول خيرالله أكثر من مرة إثبات أن الإصلاح في اليمن وراء الرفض المجتمعي للتواجد العسكري الإماراتي في سقطرى، وهذا تسطيح لا يليق بكاتب كبير مثله. وإن كان الأمر كذلك، فهذا أمر يرفع من مكانة الحزب في نظر اليمنيين ولا يحط من قدرهم، وهو –خير الله- بذلك قد حرم بقية الأحزاب اليمنية من هذا الشرف الرفيع. لكن الحقيقة أن اليمنيين بمختلف مشاربهم السياسية (المؤتمر والإصلاح والإشتراكي والناصري وحتى المستقلين) رفضوا التواجد العسكري لأنه غير مبرر ولم يكن بالتنسيق مع الحكومة الشرعية.
أوقن بأن السيد خير الله لا يعرف بأن كثيرًا من قواعد وقيادات الأحزاب اليسارية (الاشتراكي والناصري)، هاجمت بعض قياداتها التاريخية لأنها لم تسجّل موقفا واضحًا تجاه أزمة سقطرى، فهي ترفض أي تواجد عسكري في الجزيرة دون التنسيق مع الحكومة الشرعية. كنت أتمنى منه متابعة المواقع الإخبارية اليمنية ومواقع التواصل الاجتماعي. كانت ردة فعل اليمنيين طبيعية ومنطقية ومشروعة، فاليمنيون قد يتفهمون ويؤيدون تواجد الأشقاء الإماراتيين في المحافظات الجنوبية والغربية وقتالهم للحوثي في أي بقعة يمنية إلى جانب إخوانهم، لكن لا مبرر منطقي لتواجدهم العسكري في سقطرى التي لا يوجد فيها حوثي أو متطرف إرهابي واحد، ونسبة الجريمة فيها تكاد تكون صفرًا، كما لا يوجد أي تهديد محتمل من أي دولة على الجزيرة.
يقول خير الله في مقاله: "جزيرة سقطرى تمثل في الوقت الراهن حلقة في شبكة أمان لليمن وللتحالف العربي الذي يقود الحملة الهادفة إلى محاصرة الوجود الإيراني في اليمن تمهيدًا للتخلص منه". قد نتفق حول ذلك، لكن هل هذا مبرر لتجاوز الحكومة الشرعية وعدم التنسيق معها قبل السيطرة على المنشئات الحيوية فيها بتلك الطريقة الفجة؟ دعني استعير جملتك في المقال: "ما هذا المنطق الذي لا علاقة له بالمنطق؟" كل ما في الأمر أن اليمنيين بمختلف مكوناتهم السياسية والمجتمعية طالبوا بإعادة ترتيب وتنظيم العلاقة بين الحكومة الشرعية ودولة الإمارات العربية المتحدة التي نكن لها كل التقدير والإحترام، وهذا حق مشروع ولا يجب أن ينزعج منه أحد.
المقال المذكور آنفًا، جعلني أعود لقراءة بعض مقالات نشرت للكاتب خلال الثلاث السنوات الماضية عن الحرب في اليمن، وأجدها مناسبة لتوضيح نقاط هامة ربما غفل عنها السيد خيرالله.
في أكثر من مقال، أكد الكاتب على عدم قدرة اليمن "على العودة إلى صيغة الدولتين المستقلتين أو الدولة المركزية" في إشارة إلى أزمة الوحدة اليمنية وضرورة حلها بعيدًا عن الانفصال أو العودة إلى نظام الدولة المركزية السابق. وهذا أمر يتفق عليه عقلاء اليمن، لكن الغريب أن صاحب هذا الفهم الناضج، يقف في صف المليشيات التي ترفع شعار العودة إلى صيغة الدولتين (الانفصال) من خلال الدفاع عن ممارساتها مثل سيطرتها على مطار عدن ومحاولة الانقلاب على الحكومة الشرعية في يناير/كانون الثاني الماضي، بل ويعتبر ذلك عملًا وطنيًا يحمي اليمن ويعزز من أمن شبه الجزيرة العربية..!
في مقال آخر، نفى خيرالله أن يكون للرئيس هادي مشروع سياسي، وهذه سقطة ما كنت أتمنى أن يقع فيها، فما يميز الرئيس هادي هو تمسكه بمشروع اليمن الاتحادي الذي يؤمن أغلب اليمنيين بأنه قادر على منع "عودة الدولتين أو حكم الدولة المركزية". وبإمكاننا القول بأن الدولة الإتحادية، هي الصيغة الجديدة التي دعا إلى تطبيقها –خيرالله- لإنقاذ اليمن في مقال نشره قبل عشرة أشهر بعنوان " اليمن.. بعيدًا عن عقدة الوحدة والانفصال".
ومن الواضح أن الكاتب اللبناني المهتم بالشأن اليمني خيرالله خير الله، يجهل تمامًا بأن وحدوية كلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، سبب عداء المجلس الإنتقالي الجنوبي الإنفصالي -المدعوم بشكل كامل من الإمارات- لهم. فهادي وبن دغر متمسكان بمشروعهم المتمثل بالدولة الاتحادية الذي يضمن عدم تقسيم اليمن مستقبلًا وعدم سيطرة المركز كما كان في السابق.
في الأخير، من المهم الإشارة هنا إلى أن اليمنيين يثمنون تثمينًا عاليًا ما قدمته وتقدمه دولة الإمارات المتحدة من تضحيات جسيمة في اليمن، وهذا جميل لا ولن ننساه. لكن من الضروري أن يفهم الشركاء الذين نعمل معهم في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، أننا سنفشل في تأمين اليمن وشبه الجزيرة العربية، في حال عملنا على إضعاف الحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، التي نستمد منها مشروعية قتال الحوثيين واستعادة الدولة.. وإن فعلنا، فقد خدمنا الحوثيين وقدمنا اليمن والمنطقة لإيران على طبق من ذهب.
ندرك تمامًا أن للحكومة الشرعية أخطاء، لكن هذا ليس مبررًا لاستهدافها، بل يجب العمل على مساعدتها من خلال تحديد الأخطاء وتقريب وجهات النظر والوصول إلى التنسيق الشامل بما يساعد على تحقيق الهدف من انطلاق عاصفة الحزم وتحرير اليمن من الدنس الحوثي المدعوم من إيران.