يومان فاصلان:
يومان فاصلان منفصلان في حياة اليمنين يوم 26 سبتمبر 1962م ويوم 21 سبتمبر 2014م الأول مثل الثورة والجمهورية والثاني مثل نكبة الإمامة، لذلك لشهر سبتمبر في حياة اليمن واليمنيين، مكانة متميزة فلقد حمل لهم لحظة ميلاد وخلاص تاريخية للإنعتاق من هيمنة الإمامة وفقهها المغلوط بالثورة المباركة يوم 26 من سبتمبر، في هذا اليوم المبارك تخلص اليمن واليمنيين من الإمامة التي جعلت الشعب اليمني يعيش مرحلة استعباد وحولت قبائله إما لعكفة يحرسون نظرية الإمامة وسيوفها المسلطة على إخوانهم، أو رعية يزرعون ويحصدون ويسلمون الغلول لمدافنها، ومات الألاف منهم جوعاً في عهد الإمام يحي حميد الدين ومدافنه مليئة بحبوبهم، قسوة بلغت حد القتل جوعا، لقد كان ومايزال دور الإمامة إخراج اليمن من تاريخه ومجده وحضارته.
اليمن الأرض والإنسان والتاريخ والحضارة والدور.
هذا البلد الذي وصفه كتاب الله أعظم وصف بقوله سبحانه (بلدة طيبة ورب غفور)، وجنة الله بأرضه كما وصفه المؤرخون، في أرض اليمن وشعبها تعايشت الرسالات السماوية، وقامت دول الحضارات التي عانقت السماء سمواً ودانت لها الأرض، من حمير ومعين وسباء وقتبان وريدان وحضرموت وأوسان وغيرها، به تسمت سور التزيل الحكيم (سبأ والأحقاف) يمن خلد ذكره القرآن وصحيح سنة خير الأنام محمد المصطفى عليه السلام، هو البلد اللذي وصفها التاريخ والمؤرخين بالعربية السعيدة، بسيوف أبنائها حمى الله خاتم رسله وأنبيائه، بعد أن تآمر عليه قومه لقتله، وبعقول تعرف الإيمان أمنوا به وأحسنوا إيوائه، وأمن اليمنيون برسول الله ورسالته دون قتال، وبظلال سيوفهم نصر الله رسوله ورسالته، وهزموا فارس والروم، وحملوا رسالة الإسلام لكل مكان وصلوه تلك هي اليمن الأرض والإنسان والتاريخ والحضارة والدور.
نكبة إمامة الهادي وفقهه.
منذ وصلت الإمامة إلى اليمن بفقهها المغلوط عن طريق الإمام يحيي بن الحسين الرسي الملقب بالهادي، عمدت لتقسيم اليمنيين لسادة وعبيد تحت غطاء عنصرية إمامة الفقه المغلوط، التي أدخلوها على دين الله تعسفاً وزوراً وبهتان، منذ دخول الإمامة لليمن لم يعرف اليمن واليمنيين الأمن والإستقرار، فلقد أخرجت الإمامة اليمن وشعبه من الحضارة بل ومن الإنسانية، وعصفت باليمنيين الحروب والموت والتخلف والجهل بسبب الصراع بين إمام يُنَصّب نفسه، وإمام يخرج عليه شاهرا سيفه، ولكي تهيمن الإمامة على عقول اليمنيين وقلوبهم،عمدت إلى ممارسة أكبر تزييف في تاريخ المسلمين، حين زيفت الوعي والدين مستندة على ركيزتين، هما التجهيل والتجويع، فعمدت إلى نشر الجهل بين الناس حتى لا يستطيعوا اكتشاف زيفها وتزييفها للدين، موظفة وهم القداسة الدينية التي منحتها لعصبيتها وعنصريتها وعصمتها، من خلال ربطها وارتباطها برسول الأمة ونبيها محمد عليه الصلاة والسلام من خلال فقه مغلوط تمثل "بالإمامة والوصية والولاية والنسب وأهل البيت والمودة بالقربى" بحيث أصبح هذا الفقه المغلوط من مكونات الدين مثل الإمامة التي أعتبروها أصل من أصول الدين لا يقوم الدين بدونها، وأن لها مرتبة وعصمة فوق النبوة والرسالة ومن لا يُؤْمِن بها وبالأئمة أو بأحدهم فهو كافر مخلد في النار وهكذا تأسس وجدان الأمة بأن المساس بأحد أبناء هذه العصبية العنصرية هو مساس بالرسول والدين، بينما هذه العنصرية والعصمة ليست من دين الله وكل القداسة التي أحاطوا أنفسهم بها لا علاقة لها بالدِّين الحق، كما عمدت أيضاً على تجويع الناس بتغيير ثقافة العمل لديهم، حتى أصبحت مهن العمل والكسب المشروع كالتجارة وغيرها من المهن المعيبة عند القبيلي لا يجب ممارستها، هادفة من هذه السياسة إلى السيطرة على قبائل الشمال وربطهم بمهنة القتال لا غير، وأصبح القبيلي في الشمال مقاتلاً مع الإمامة بدرجة عكفي، يعمل لصالحها سيفاً مسلطاً لحمايتها ولمقاتلة الثائرين عليها، وفي بقية اليمن ربطت القبائل بالأرض لفلاحتها لتحصيل غلالها، وقسّمت المجتمع اليمني إلى طبقات متباينة الثقافة والمصالح لمزيد من إحكام السيطرة والتحكم.
ثورة 26 سبتمبر تحرير وخلاص اليمن واليمنيين.
بحكم تكوين اليمنيين كانوا رافضين للإمامة ودورها وتعاقبت ثوراتهم طوال التاريخ للخلاص من الإمامة، فقامت ثورة 26 سبتمبر لتحرير اليمن واليمنيين من الإمامة وأغلالها، حيث نقلت اليمنيين للنظام الجمهوري, الذي وصل فيه ابن القبيلة الذي كان محرما عليه الوظيفة الحكومية، وكان أعلى مرتبة يصل إليها في نظام العكفة نافخ بورزان لكنه بفضل الجمهورية وصل إلى رئاسة الجمهورية , لقدخاض اليمنيون حربا ضروس ضد الإمامة لتثبيت النظام الجمهوري غير أن الإمامة استكانت للعاصفة الجمهورية, وحاولت اختراق الصف الجمهوري لضربه من داخله, فعمدت للتغلغل في الوظائف والمناصب وعمل التحالفات بانتظار اليوم الموعود.
ثورة الشباب والمبادرة الخليجية والرئيس هادي وصناعة التاريخ.
استمر اليمنيون يبحثون عن مشروع خلاص ليستكلموا به ثورتهم, ليخرجهم من أثار ثقافة الإمامة عبر السنوات التي تلت ثورتهم في 26 سبتمبر, حتى خرج شباب اليمن في ثورتهم الشعبية عام 2011م ضد ثقافة الإخضاع والهيمنة التي هي إمتداد لثقافة الإمامة، وما نتج عنها من مواجهات ومشروع إنقاذ, عن طريق المبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية, ووصول فخامة الرئيس هادي للرئاسة اليمنية, والذي تميز بميزة لم تتوفر عند من سبقوه, فهو لم يأتي عن طريق قبيلة تدعمه, أو حزب قدمه, أو جيش فرضه, لقد فرضته لحظة ميلاد تاريخية فارقة في حياة اليمنيين, يكتب فيها التاريخ دوراته المتعاقبة, لحظة ميلاد التقى فيها صانع اللحظة التاريخية بتوقيتها, كما صاحب هذا الميلاد وجود تدخل إقليمي لإطفاء نيران الأزمة اليمنية, تمثل في المبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية, التي صاحبها توافق بين السلطة السابقة والمعارضة لإنقاذ اليمن بوصول الرئيس هادي للسلطة, غير أن الرئيس هادي كان لديه مشروعه الخاص للإنقاذ, ويحتاج للشعب اليمني ليقف معه فيه فهو مشروعه التاريخي, فلم يكتف بالمبادرة والتوافق بل عمد إلى أخذ التفويض الشعبي عن طريق الإنتخابات التي حصل فيها على أصوات لم يحصل عليها رئيس سابق, ولهذا كان وصول الرئيس هادي للرئاسة صدمة للمشروع الإمامي والقوى المتحالفة لم تكن في حساباتهم.
الدولة الإتحادية مشروع الخلاص والمستقبل.
وبدا مشروع الخلاص بجمع اليمنين تحت سقف الحوار الوطني, ليستخدم اليمنيون صراع الكلمات والمشاريع بدل صراع الحروب والموت, فتوافقوا على مخرجات الحوار الوطني, بدولته الإتحادية بأقاليمها الستة, والتي هي مشروع الخلاص والإنقاذ لليمن واليمنيين, لإخراجهم من دائرة الصراع على السلطة والثروة, إلى دائرة التعايش والبناء, تحت مظلة المواطنة المتساوية, عبر تقاسم عادل للسلطة والثروة, فكان مشروع الدولة الإتحادية بأقاليمها الستة, هو مشروع المستقبل الذي يطوي الماضي وصراعاته.
الإمامة والتآمر على مشروع الدولة الإتحادية.
حاولت قوى الإمامة المتسترة بمسميات مشاريع وطنية, ومعها قوى ثقافة الفيد والهيمنة والإخضاع, إعاقة المشروع وإفشاله ومن ضمن ذلك محاولات إغتيال المشروع من خلال إغتيال الرئيس هادي نفسه, غير أن ألطاف الله بفخامته وباليمن واليمنيين, كانت لها خياراتها وقوانينها, ومضى المشروع قُدما رغم كل المؤامرات المعيقة لمؤتمر الحوارالوطني ومحاولات إفشاله, غير أن قيادة الرئيس هادي والمخلصين معه تمكنت من حماية المشروع وتحصينه بدستور يرعى ويحصن ويحمي مشروع الدولة الإتحادية بأقاليمها الستة, حينها أيقنت قوى الإمامة والكهنوت وقوى الفيد والإخضاع أن المشروع سيفرض نفسه وسيطويها التاريخ دون رجعة, فاختطفت الدستور وحامله الدكتور احمد عوض بن مبارك قبل وصوله لمناقشته وإقراره.
نكبة وإنقلاب يوم 21 سبتمبر 2014م ودلالاته الإمامية.
لقد انقلبت الإمامة وحلفائها من النظام السابق علي الدولة اليمنية وشرعيتها ومشروعها حين اختطفوا مسودة الدستور المؤسس لليمن ومستقبله وتعايشه وحضارته , تماماً كما حدث مع دخول الإمامة في أول قدوم لها لليمن, فكان يوم 21 سبتمبر2014م يوم كارثة ونكبة لليمن الأرض والتاريخ والحاضر والمستقبل والإنسان, لقد خلعت الإمامة قناعها وبرزت عنصريتها البشعة والمدمرة, التي لا يهمها اليمن واليمنيين, وسلمت نفسها لراعيها وراعي مشروعها القديم الجديد ولاية الفقيه في إيران, وأعلنت طهران سقوط صنعاء العاصمة العربية الرابعة تحت جحافل ميليشياتها الحوثية, وكان بداية الإعلان باستعادة اليمن لحكم الإمامة وولاية الفقيه, هو اختيارهم ليوم 21 سبتمبر الموافق ليوم تنصيب البدر إماما على اليمن عام 62 قبل ثورة 26 سبتمبر1962م , ومارست مليشيا الحوثي الإيرانية, أبشع أنواع الجرائم والتنكيل باليمنيين, زرعت ملايين الألغام قتلت وأعاقت الألاف , قصفت المدن والمنازل فوق ساكنيها, زجت بالألاف السجون, قمعت الحريات, نكلت بحملة الرأي, امتهنت القبيلة بشيوخها ورموزها وأبنائها, كفرت اليمن كله وقادت حملتها وتجنيدها وحربها ضد الشعب اليمني, تحت عنوان "أشداء على الكفار" مكفرة كل اليمنيين, نهبت البنوك والموارد وكل دوائر الدولة ومرتبات الموظفين, استولت على الوظيفة العامة لصالح عنصريتها, جندت الأطفال ورمت بهم للموت في جبهات القتال, تاجرت بأقوات الناس والإغاثة والمشتقات النفطية, هدمت المساجد وحولت بيوت الله لمقايل, قدمت المخدرات ونشرتها بين الناس انتقاما وتجارة وتمويل, مارست أبشع أنواع الإرهاب, من قصف للمدن والمدنيين في اليمن والمملكة بمختلف أنواع القذائف والمدفعية والصواريخ الباليستية إرتكبت ميليشيا الحوثي الإيرانية كل الجرائم ضد الإنسانية وكل الجرائم المصنفة جرائم حرب، حاصروا المدن وجوعوها ومنعوا عنها الغذاء والدواء كما في تعز وتهامة، فانتشرت المجاعة في تهامة وهي تحت صيرتهم، انتقاما من أبا موسى الأشعري بأحفاده لموقفه في التحكيم بين علي ومعاوية ، ووصل الأمر بهم لقتل شريكهم الرئيس السابق صالح والتمثيل به في جريمة مروعة صادمة.
بهذه الجرائم المتعددة أصبح يوم 21 سبتمبر2014م نكبة اليمن الكبرى وكارثته الإنسانية التي أوصلت اليمن للفقر والمجاعة والتشرد, ولأكبر كارثة إنسانية عرفها التاريخ المعاصر.
استعادة الثورة والجمهورية والوطن ودور المملكة والتحالف.
غير أن عناية الله ولطفه وخير مكره باليمن واليمنيين كان لها القول الفصل فقد أوصلت الرئيس هادي لموقعه الرئاسي، الذي لعب دوراً متميزاً واعياً ومتسلحاً بإرث التاريخ ومعرفة الحاضر في مواجهة مشروع الإمامة المعاصر، وكان الدرع الحامي لليمن من تآمرها، حيث حاول بشتى الوسائل وقدم الكثير من التنازلات لجمع اليمنيين في طريق نهضة اليمن وعمرانه غير أن مشروع الإمامة لم تكفه كل تلك التنازلات ورفض مشروع التعايش كما يرفض الأن كل مشاريع السلام، وتحركت مليشيا وجند التآمر الإمامي صوب العاصمة وحدث ما حدث بعدها،لكن الرئيس هادي حينما وجد أن الدولة سقطت بيد مليشيا وقوى الإنقلاب الإمامية، طلب الدعم والنصرة من أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي استجاب بتحالف دعم الشرعية, وبعاصفة الحزم وإعادة الأمل, لدعم الشرعية والجيش الوطني والمقاومة الشعبية, للخلاص من يوم النكبة وتبعاته ومعاناته, وهاهي قوات الشرعية وتحالف دعم الشرعية, تستعيد اليمن وثورته وجمهوريته من الإمامة وحلفائها, وهاهي مديريات صعدة تتهاوى وبسقوطها سيعلن سقوط المشروع الإمامي للأبد. ولولا الرئيس هادي بشرعيته وتحالفه وقيادته لكان المشروع الصفوي الإيراني مهيمن على اليمن وممرات التجارة الدولية والطاقة في المنطقة.
د عبده سعيد مغلس.
21سبتمبر 2018م