- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
من الصعب المبالغة في أهمية هذا الحدث.
وأننا في عام 1928 وضعنا أساس الصداقة القوية والثقة والتعاون الاقتصادي والمساعدة المتبادلة الأخوية بين شعبينا لسنوات عديدة قادمة.
وجرى تحضير هذه الاتفاقية الهامة في الظروف الدولية الصعبة. واليمن بعد حصوله على الاستقلال في عام 1918 كان يبحث عن الاعتراف الدولي. وان البلدان الغربية وهي حارصة على حفاظ نفوذها الاستعماري في الشرق الأوسط لم تهتم بظهور دول مستقلة ولم تكن في عجلة لإنشاء العلاقات مع اليمن.
ولم تحب ان اليمنين حتى في ذلك الوقت كانوا يطمحون توحيد البلد الكل الذي كان جزؤها الجنوبي تحت الاستعمار البريطاني.
ابتداء من عام 1926 رغب اليمن في اكتشاف طرق انشاء العلاقات مع الاتحاد السوفيتي. وفي عام 1927 وجه محافظ الحديدة بأمر من إمام يحيى الى ممثل الحكومة السوفيتية في جدة بطلب تأسيس العلاقات الديبلوماسية والتجارية.
وبعد سلسلة مفاوضات في 1 نوفمبر 1928 تم توقيع معاهدة الصداقة والتجارة. ونص في المعاهدة على رغبة الجانبين لتطوير التعاون ولبدء العلاقات الاقتصادية على مبادئ المساواة المتبادلة.
ووفقا للمعاهدة اعترف الاتحاد السوفيتي باستقلال اليمن. وإنها أكدت انه تم انشاء العلاقات الرسمية بين بلدينا. وحددوا هذه الصيغة بالموافقة المتبادلة وهي تشدد على طبيعة العلاقات اعتبارا انها بين الدول المستقلة.
ولكن للأسف لم يتم انشاء العلاقات الدبلوماسية في هذا الوقت. تم منع هذا من قبل الدول الغربية التي ضغطت على نظام الامام. ولذلك نصت المعاهدة على تطوير العلاقات التجارية قبل كل شيء. ووصلت الممثلية الأولى الى صنعاء في يونيو 1929 ويرأسها الدبلوماسي السوفيتي كريم حكيموف.
وتمتع المعاهدة بأهمية بالغة لليمن. لأنها فتحت الطريق لاختراق المحاصرة السياسية والدبلوماسية للبلد وثبت استقلاليته.
بدء استيراد منتجات سوفيتية مختلفة الى اليمن ما بينها مواد غذائية وخشب واقمشة واسمنت ومشتقات نفطية. وهذا كان بداية التنقل بين موانئ الحديدة والبحر الأسود الروسي.
وفي عام 1938 اقترح اليمن تمديد المعاهدة لـ 10 أعوام قادمة. ولم استطعنا هذا بسبب الحرب العالمية الثانية.
واكتسبت علاقاتنا الثنائية زخما جديدا فقط في النصف الثاني من الخمسينات. في 31 أكتوبر 1955 توقع بلدينا معاهدة الصداقة الجديدة وإنها كانت تجديدا لمعاهدة عام 1928 الأولى. وعلى أساس هذا المستند تم انشاء العلاقات الثنائية الدبلوماسية الكاملة. وفي 1958 فتحنا في تعز السفارة السوفيتية.
وتم تنشيط التعاون الاقتصادي والثقافي. ووصلوا اطبة روس الى اليمن وفتحوا هناك المستشفى الجمهوري. في عام 1956 أوفدوا جماعة أولى من الطلاب اليمنيين الى البعثة الدراسية في روسيا. وفي نفس العام بدأ التعاون العسكري والتقني.
وبقيت بلدينا معا في المراحل التاريخية القادمة. وثبت هذا التضامن نفسه خلال ثورات 26 سبتمبر في الشمال و14 أكتوبر في الجنوب. بعد قيام حركة الضباط الأحرار بالثورة 26 سبتمبر الذي اقامت في اليمن النظام الجمهوري تعرض البلد للعدوان من قبل القوى التي اتحدت حول النظام السابق.
واندلعت الحرب الاهلية التي استمرت لمدة سبع سنوات. وان الاتحاد السوفيتي دعم الشعب اليمني ووقف بجانب الجمهوريين ورئيس اليمن الأول عبد الله السلال. في 1 أكتوبر 1962 وهذا فقط ثلاث أيام بعد اعلان النظام الجمهوري اعترفت الحكومة السوفيتية بالدولة الجديدة في اليمن وهي الجمهورية العربية اليمنية. وكنا بلدا ثانيا في العالم بعد مصر الذي اعترفت بالثورة اليمنية. بعد ذلك وصل الى صنعاء خبراؤنا العسكريون وبنوا هناك المطار الاول بسرعة وساعدوا في انشاء الجسر الجوي بين صنعاء والقاهرة. وجاء به الى اليمن قوات الرئيس المصري جمال عبدالناصر الذين نجحوا في حماية الثورة.
وبعد جلاء القوات المصرية في عام 1967 وحتى نهاية الحرب الاهلية دعم اليمن عسكريا فقط خبراء الروس. وفي عام 1969 طوق العدو صنعاء وأعلنت الحكومة السوفيتية انها مستعدة لتدخل الى الحرب جانبا مع الجمهورية.
وبفضل هذا الدعم السياسي انتهى الحصار وتحول اليمن الى بناء حياة سلمية ونقلت سفارتنا من تعز الى صنعاء وتبقى هناك حتى اليوم.
وان مساعدتنا التي قدمناها لليمنيين خلال الثورة 14 أكتوبر 1963 ولم تكن اقل أهمية. ونتيجة هذه الثورة اعلان استقلال اليمن الجنوبي في 30 نوفمبر 1967 وانشاء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وكان هناك حدث طال انتظاره وانه نهاية لاستعمار البريطاني في جنوب الجزيرة العربية.
وبعد شهر واحد اعترفت بلدنا اليمن الجنوبي وفي 3 ديسمبر 1967 أقمنا علاقات دبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وفي عام 1968 افتتحت السفارة الروسية في عدن وهي كانت أكبر السفارات في الشرق الأوسط.
ولكن كانت دور روسيا أكبر خلال توحيد اليمن في 22 مايو 1990. ساهمنا بالنشاط في عملية التوحيد بناء على فهمنا انه كان طموحا للشعب اليمني منذ بداية القرن. ولا يسمى اليمنيون انشاء البلد اليمني الوحيد ثورا لان جرت هذه العملية بسلاسة والسلام. ولكن بالضبط هذه الاحداث كانت ثورا حقيقيا في المجال السياسي والاقتصادي. واهم ثورة عام 1990 كانت في رؤوس اليمنيين الذين أصبحوا صاحبي البلد الكبير ومكتظ بالسكان بالثروات الطبيعية الهائلة والامكانيات الجيوسياسية.
وانا شخصيا كنت محظوظا لان أشارك في هذه الاحداث. وكان كلا جزئي البلد مختلفين بالنظام الاجتماعي ومستوى الاقتصاد. ولكن كان من المشترك الثقافة العربية الإسلامية والتراث التاريخي للشعب اليمني. في هذا الوقت كنت عاملا في السفارة الروسية بعدن. واتذكر جيدا فتح الحدود في 1989 عندما اليمنيون من الشمال بدؤوا ان يزوروا عدن وهم يتمتعون بنظر المدينة البحري.
وذهب الجنوبيون الى الشمال وراؤوا هناك المدن الجميلة ومتطورة مثل الحديدة وتعز. واندمجت الحكومات والبرلمانات للدولتين الى سلطات موحدة. وابتهج الشعب اليمني بإخلاص في التوحيد السلمي للبلد.
روسيا اعترفت بالجمهورية اليمنية الموحدة الجديدة فورا بعد إعلانها.
وردت الجمهورية اليمنية بنفس الخطوة في 30 ديسمبر 1991. أعلن اليمن رسميا اعترافه بروسيا الاتحادية بصفتها الوريثة الشرعية للاتحاد السوفيتي السابق. وفي هذه الفترة نقلنا سفارتنا من عدن الى عاصمة اليمن الوحيد صنعاء.
وفي عدن بقت القنصلية العامة الروسية. وانا أيضا ذهبت الى صنعاء واتذكر بصورة واضحة كيف دعمنا اليمنيين في رغبتهم الى الوحدة.
خلال الأعوام الطويلة للصداقة والتعاون بين بلدينا تم توقيع معاهدات واتفاقيات كثيرا. وفي 24 أكتوبر 1999 تم شطب ديون اليمن لروسيا وفقا لاتفاق بين البلدين وهي بالغة 6.4 مليار دولار. وبنوا الروس في اليمن شمالا وجنوبا عدة مشاريع اقتصادية ضخمة. وبينها محطة الطاقة الحرارية ومجمع التحلية بالحسوة في عدن والميناء في الحديدة ومصنع الأسمنت في باجل وخط أنابيب النفط بطول 190 كم من حقل نفط شبوة الى ميناء بئر علي وطريق الحديدة-تعز وأخرى.
وتمكن علماء الجيولوجيا الروس من العثور على النفط والغاز والذهب والحديد في اليمن. وحددنا أولوية تعاوننا في مجال استخراج النفط والغاز وإنتاج البترول واستخراج المعادن وبناء محطات توليد الطاقة في عدن ومخا وقطاع الزراعة.
تم تحديد هذه الخطط من قبل اللجنة الروسية اليمنية للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني في اجتماع رئيسيها المشاركين في صنعاء في بداية عام 2014.
وان اولا احداث ما يسمى بربيع العربي في عام 2011 وبعد ذلك الصراع المسلح في 2014-15 عرقلت تنفيذ كل هذه الخطط. وللأسف يستمر هذا الصراع حتى الان. في عام 2011 روسيا مع الدول الراعية لعملية السياسية في اليمن أصبحت ضامنا للنقل السلمي للسلطة من الرئيس علي عبدالله صالح الى نائب الرئيس عبدربه منصور هادي وفقا للمبادرة الخليجية آليتها التنفيذية. وبذل الرئيس هادي جهود كبيرة لتنفيذ المبادرة.
ونوقشت مسائل التسوية السلمية وإعادة الاقتصاد اليمني خلال زيارة الرئيس اليمني الى موسكو في ابريل 2013 ولقائه مع الرئيس روسيا فلاديمير بوتين. انا اعتقد ان اهم نتيجة الرئيس هادي امام الشعب اليمني هذا تنظيم مؤتمر الحوار الوطني وتحديد مخرجاته.
ولكن ما كان من الممكن انتهاء هذا العمل الهام. في مارس 2015 أصبحت العمليات العسكرية بين الأطراف واسعة الانتشار. تتعاطف موسكو مع كل الشعب اليمني هذه المأساة الرهيبة. وارسلنا الى اليمن المساعدات الإنسانية أكثر من مرة.
من اليوم الأول للصراع تطالب روسيا إنهاء الصراع الفوري. ونحاول تحقيق ذلك كالعضو الدائم للمجلس الامن الدولي.
وإننا نقدم كل مساعدة ممكنة للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث. نتعامل بنشاط مع طرفي النزاع في محاولة تقريب مواقفهم.
إن التعاون مع جميع القوى السياسية في اليمن وتقديرهم العالي للنهج الروسي غير المتحيز والصادق ورفضنا الحازم لمحاولة تقسيم اليمنيين إلى الخيرين والاشرار وسياستنا الواضحة لعدم التدخل في الشؤون اليمنية الداخلية وان كل هذا قد حصل على ثقة اليمنيين على مدى التسعين عام الماضية. وكانت هذه تسعين سنة عهدا للصداقة المخلصة والتعاون الأخوي.
وسنستمر في جهودنا لإخراج اليمن الصديق من هذا الصراع الدموي وغير منطقي. إن موسكو مقتنعة بأن المعاناة غير المستحقة للشعب اليمني وهو شعب التاريخ والثقافة العظيمة يجب أن تنتهي. ويجب القيام بذلك دون تأخر.
ستبذل روسيا كل ما في وسعها لمساعدة اليمن لعودته إلى الحياة في السلامة واستعادة الدولة كما كانت تبذل خلال 90 عاما الماضية.
سفير روسيا الاتحادية لدى الجمهورية اليمنية
المقالات
كتابات وآراء
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر