القِيَم بمفهومها المتشابك تعد معياراً مهماً نستطيع من خلاله تحديد ما هو صحيح وغير صحيح، نرغب به ومانمتنع عنه.. وهي التي تتحكّم بطريقة تعاملنا وتفاعلنا مع الغير، وتحدد ردود افعالنا اللاإرادية، وقد تختلف من شخص لآخر ومن بيئة لأُخرى بحسب مانكتسبه مما يُحيط بنا..
ومن وجهة نظر علم الفلسفة فأنّ القيم هي تلك الجزئيّة من أخلاقيّات الإنسان وغاياته، التي يسعى إليها أكان لغايات يطلبها الإنسان في داخله، أو متطلّبات ذاتيّة له.
ولو تعمقنا أكثر بأنواع القيم فسنجد هناك الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والجمالية والدينية والشخصية وأخيراً الوطنية.
فأهمية وجود مثل هذه القيم في حياة الإنسان والمجتمع تعتبر علامة من علامات فهم الحياة والنضج.
وكما أكّدت الدراسات أنّ الدول التي تسود فيها القيم تكون أكثر نضجاً ورُقيّاً، وتعتبر مجتمعات ناجحة؛ لأنّها تهتم بالعلم والمعرفة، ممّا يزيد تطوّر هذه البلدان ونجاحها أكثر من البلدان الأخرى وتظهر على أرض الواقع، من خلال التعاملات اليومية بين الناس.
وفي عصرنا الحالي يعاني العالم اليوم من مخاطر عظيمة وهائلة، تتجلى بوضوح حول الإنسان أينما يمَّمَ وجهه على هذه الأرض، فبعض هذه المخاطر تتعلق بالحروب، والصراعات، وبعضها بالمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها بعض المناطق، وبعضها بالنواحي البيئية التي تعاني منها الكرة الأرضية في ظل الإقبال اللامتناهي على الإنتاج، والاستهلاك دون الاكتراث بمصير البيئة، والكرة الأرضية من حولنا، فضلاً عن العديد من المشكلات الأخرى. ولو أمعنا النظر في هذه المشكلات وغيرها، لوجدنا أن غياب القيم الإنسانيّة لدى فئات كبيرة من الناس هو السبب الرئيسي وراء حدوثها، وتفاقمها إلى هذه الدرجة التي باتت فيها تشكل تهديداً واضحاً للإنسان، بل ولجميع الكائنات الحية الأخرى، وبالتالي فإنّ نثر بذور القيم الإنسانيّة الأساسية، والإعلاء من شأنها في كافة المجتمعات هو الضمان الوحيد للنهوض بهذا العالم، وحل هذه المشكلات المتراكمة، وإنقاذ الأجيال اللاحقة من مخاطر عديدة لا تُحمَد عقباها.
وهنا تبرز القيمة الوطنية التي هي مجموعة من المبادئ والضوابط التي تُحدّد سلوك المواطن في المجتمع الذي ينتمي إليه، وتتمثّل في محبة الوطن، والإخلاص له، والجهاد في سبيله، والسعي نحو الإصلاح، وكفّ أيدي المفسدين، والالتزام بالقواعد والقوانين، والقيام بالواجبات على أكمل وجه.
تحدّد القيم الوطنية كيفية تعامل المواطن مع وطنه ليمثّل المعنى الحقيقي للمواطنة الصالحة وهي ما تدفعه للتضحية في سبيل الوطن والانتماء والولاء له وتقوده للقيام بواجباته على أكمل وجه والإخلاص فيها والالتزام بالقواعد والقوانين واحترام كرامة الوطن وصونها، ومعرفة ما له وما عليه من واجبات.
هناك ترابط عميق بين القيم الوطنية والإنسانية فمحبّة الوطن والإخلاص له وبذل النفس فداءً لترابه يعمّق أواصر العلاقة الإنسانية النابعة من الخُلق الحسن، والتعامل الطيب الذي ينتج مفهوم المواطن الصالح الذي يجمع بين القيم الوطنية في العطاء والقيم الإنسانية في المحبة والوفاء .
وبما أننا في أيام مباركة فشهر رمضان مظنّة تكافل المسلمين وتعاضدهم فيما بينهم كما أنه يجسد القيم المشتركة، من السلام والتفانى وعمل الخير..
ومما سبق اعلاه.. علينا أن نسعى لتثبيت اوصار تلك العلاقة فحب الوطن ينبع من حب الذات وحتى يعطي الإنسان مايحمله في داخله من تلك الصفات والمشاعر يجب أن يشعر أولاً بالرضا لما هو عليه.. أن يتحرر من الخوف والقلق وعدم الإحساس بالأمان والصراع من أجل البقاء.. أن يتخطى عقبة الظروف والأوضاع المأساوية التي تحاصره وتشل حركته.. أن يعيش حياة كريمة بعيدة عن التفكير بكيفية توفير أبسط حقوقه كمواطن له من الحقوق وعليه ومن الواجبات.. كل ذلك لن يتحقق اذا لم يكن هناك علاقة تكاملية من الدولة ومسؤوليتها نحو توفير مايحتاجه والسعي للقضاء على المشاكل الاقتصادية أهمها ارتفاع الأسعار واستغلال التجار والتلاعب بالعملة التي تؤرق كافة المواطنين للتخفيف من معاناتهم.. وأن تجد الحلول البديلة لينهض بنفسه عوضاً عن تحطيمها..
أصبح المواطن في بلدنا يفتقر إلى ابسط شيء وهو توفير ملاذ آمن له ولأسرته..
رسالة نوجهها للسلطات المعنية والمختصة.. إذا اردتم أن يشعر المواطن بقيمة الوطن عليكم أن تشعروه اولاً بقيمته الإنسانية..