تحل علينا الذكرى السابعة والخمسون لثورة 26 سبتمبر الخالدة لتعيد للأرواح والأذهان صورة اليمن النقية العصية على الانكسار، ثورة 26 سبتمبر حدث عبقري مثَّل تحولاً تاريخياً فريداً في طبيعة النظام السياسي والاجتماعي، نقل اليمن من نظام سلالي كهنوتي طائفي مستبد قائم على تمايز اجتماعي وطبقي فاضح، إلى نظام جمهوري مبني على المساواة القانونية الكاملة بين كافة أبناء الشعب وينشد مساواة اجتماعية عادلة وكاملة.
تجاوزت روح التحرير العظيمة لثورة سبتمبر نخب وقيادات سبتمبر المخلصة لمبادئ الثورة وأهدافها إلى الشعب في قراه المنسية والأفراد في توقهم للحياة. قُتل العديد من قيادات سبتمبر وقضى آخرون في السجون والمنافي آخر لحظات حياتهم، لكن الطريق الذي مهدته الثورة، والعجلة التي حركتها عبقرية ٢٦ سبتمبر كانت أقوى من أن يتم قتلها أو سجنها أو نفيها. وكل محاولات الطمس والتحريف لم تفلح في إطفاء وهج سبتمبر أو كبح التدفق الخلاق لقوى الشعب التي حولت أبناء الفقراء والمنسيين إلى رؤساء ومسؤولين وتجار وأطباء ومهندسين.
وها هو سبتمبر يعود بألقه ليشحذ النفوس بالعزيمة والإصرار، رغم ما يمر به اليمن اليوم من مرحلة استثنائية تاريخية حرجة، اجتمعت عليه المشاريع الظلامية التواقة لزمن السادة والعبيد على أيدي مليشيات مرتهنة لأجندات خارجية إيرانية تستهدف استقرار اليمن والمنطقة، ومشاريع أخرى للتمزيق والفرز على أسس غير وطنية، لم ينل الشعب اليمني من مشاريع الفوضى هذه سوى الويلات والفقر والانهيار الاقتصادي وهدم المنجزات والمؤسسات، لكن تظل الأهداف التي أعلنتها ثورة سبتمبر العظيمة مطلباً ملحاً على جدول أعمال التأريخ اليمني. وغايات تلك الأهداف احتياج لا غنى عنه لأبناء الشعب اليمني، وهي مسؤولية وأمانة نقلها الآباء لنا من بعدهم للحفاظ على النظام الجمهوري وبناء دولة العدالة والوحدة والمساواة.
لا شك بأننا نمر بواحدة من أصعب لحظات التاريخ اليمني، وإن طبيعة المخاطر والتحديات التي نواجهها تستهدف اليمن في هويته ووجوده، ، وينبغي أن تكون طبيعة المعركة الحالية حاضرة في الأذهان، وألا نلتفت إلى محاولات الزج بنا إلى صراعات جانبية تهدف في الأساس إلى تشتيت جهودنا في استرداد دولتنا وحماية نظامنا الجمهوري والحفاظ على سيادة اليمن ووحدة وسلامة أراضيه، وعلينا أن ندرك بأن صمودنا وتماسكنا في هذه اللحظة التاريخية الصعبة هو السبيل لحماية بلادنا من مخاطر التفكك والتمزق والانهيار، وأن نؤمن بأنفسنا كيمنيين، وفي التاريخ من الشواهد على عظمة هذا الشعب وصموده في أحلك اللحظات ما يجعلنا على ثقة بأننا قادرون على تجاوز هذا المعترك الصعب والحساس.
إن استعادتنا للدولة يرتبط باستعادتنا لمفاهيم الحرية والعدالة والقانون التي كانت لحظة سبتمبر الأولى واكتملت عبر نضالات وتضحيات كبيرة، بلغت ذروتها في مخرجات الحوار الوطني، والتي أجمع فيها اليمنيون على معالجة الأزمات السياسية بالحوار والقبول بالآخر وتوزيع الثروة والسلطة ضمن نموذج حضاري فيدرالي حديث لليمن، ومهما تكالبت الصعاب وتعقدت الأمور فإن التزامنا قيادة وشعبا بهذا النموذج وبمبادئ الديمقراطية والعدالة والمساواة التي خطتها ثورة سبتمبر ثابت لا يتزحزح، فهي طريقنا للنجاة.
وكل عام واليمن من أقصاه إلى أدناه وشعبنا اليمني في خير وسلام.
د. معين عبد الملك
رئيس مجلس الوزراء
25 سبتمبر 2019