- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
بقلم / د. علي البكالي *
إذا كانت دول العالم أجمع تواجه اليوم عدواً واحداً متمثلاً في كوفيد 19 فإن اليمن وحدها تواجه متلازمة من الجوائح المتخادمة التي تستثمر بعضها تاركاً لليمنيين خيارين لا ثالث لهما، إما الموت وإما الموت ولا شيء غير ذلك.
في البدء أنكر الحوثيون كما أنكر غيرهم من المليشيا المناطقية وجود الوباء في اليمن، لقد كان الإعلان عن انتشار كورونا يعني لهم إغلاق الأسواق والمتاجر التي ينهبونها ليلاً ونهار بصور شتى، وتوقف النقل والجمارك التي هي مصادر دخل المليشيا المتعددة، واغلاق السجون التي يحتجزون فيها آلاف الأبرياء، وإغلاق وتوقيف الجبهات التي تشكل بؤرة لانتشار الفيروس بسبب اختلاط اعداد كبيرة من المقاتلين من الأطفال والمراهقين وغياب عامل النظافة والتباعد الاجتماعي.
لم تكن المليشيا ترغب في الحقيقة في خسارة مكاسبها المادية ولا القتالية بسبب الإجراءات الوقائية العالمية التي فرضها انتشار كورونا، لذلك قامت بإخفائه مدعية أن اليمن ليست من كوكب الأرض، ولا يحل عليها ما حل على مجتمعات العالم من وباء.
لقد كانت هي الوباء الحقيقي بذاته التي حل على اليمن بالكوارث والحروب والتدمير والتمزق والفقر والجوع والضياع طيلة ست سنوات.
كافحت المليشيا الحوثية وأخواتها كثيراً لإخفاء الحقائق عن اليمنيين أنفسهم فضلاً عن العالم، وفجأة تساقط الناس موتى في البيوت والطرقات والمشافي، في صنعاء وعدن، وبدأ ينتشر إلى عدد آخر من المحافظات بشكل مفزع ومرعب.
تطالعنا الأخبار عن كارثة حقيقة في عدن، فعدد الوفيات اليومية تتراوح بين (70-80) حالة وفاة، وخلال 13 يوماً تجاوزت الوفيات 600 حالة بحسب تقارير الأحوال المدنية في المحافظة، غير أن وزارة الصحة ومكاتبها وقوات الانتقالي التي أعلنت الحكم الذاتي في عدن كما فعل البريطانيون في 58م، لا تزال غير متأكدة من أنه فيروس كورونا الذي يفتك بعشرات الناس ليلاً ونهار .
في صنعاء يتساقط الناس موتى في الشوارع والطرقات، وتتردد أخبار كثيرة أن عدد حالات الوفاة بلغت 1500 حالة في حين لا يعترف الحوثيون إلا بحالة أو حالتين يعدونها لصومالي الجنسية، أما اليمنيون فهم محروسون ببركة السيء الحوثي الذي يستمد أسراره من سلالته المقدسة!
المشرفون الحوثيون في صنعاء لا يقصرون أبدأً في تغييب كل المشتبه بإصابته مع أسرهم إلى السجون أولاً، ثم يأخذونهم منها إلى حيث لا رجعة، وبعض الأخبار تفيد أنهم يطلقون عليهم رصاصة الرحمة!
في عرف الحوثيين ونظامهم المليشاوي لا أحد يتعافى من الفايروس مطلقا، فإما أن يكون الشخص مشتبها بالإصابة فيساعده الحوثيون على الرحيل سريعا، أو يكون خاليا من الأعراض فيذهبون به إلى الجبهات ليموت هناك .
مؤخراً ومع انكشاف حالات الوباء في صنعاء وعدن، يوشك أن يلتفت العالم والأمم المتحدة والمنظمات الدولية لليمن باتجاهين: الأول اغاثة انسانية صحية لمساعدة اليمن على مواجهة الفايروس، والثاني : التفاتة سياسية تذهب باتجاه ايقاف الحرب، والترتيب لمرحلة جديدة.
في ظل هذا المتغير الجديد تناغمت سياسة الحوثيين وأقرانهم، وسارعوا للحديث عن انتشار الوباء بشكل يثير الذعر في نفس المواطن.
يتحدث الحوثيون على لسان وزير صحتهم عن توقعات تصل إلى مليوني مصاب بالفايروس، و70 ألف حالة خلال أسابيع معدودة، وعن إجراءات مشددة منها فرض حضر التجوال، واغلاق الحارات والشوارع والأسواق والمحال التجارية، وعقوبات صارمة بحق المخالفين، ما الذي تغير بعد أن كانوا قبل أيام ينكرون ذلك؟
لقد لاحت للمليشيا إمكانية استثمار الحدث، وجعله مغنماً خاصاً يحول جائحة الوباء العالمي كوفيد ١٩ إلى مكسب مادي وسياسي لصالح في آن واحد، فمن ناحية ما يمكن الاستحواذ كلياً على الدعم الدولي المقدم لليمن لمكافحة فيروس كورونا، وقد بدأت بالفعل مصادرة الامدادات الطبية التي أرسلتها منظمة الصحة العالمية كما جاء على لسان متحدث الحكومة الشرعية .
ومن الناحية الأخرى تثبت المليشيا سلطة واقعية وحيدة، تكتسب مشروعية شعبية من خلال إرعاب الناس والسيطرة عليهم مدعية حمايتهم، في ظل غياب أو تغييب الدولة والحكومة الشرعية عن ميدان الفعل الانساني والاجتماعي في جغرافيا اليمن شمالاً وجنوباً.
إنه ومن خلال إظهار تفرد المليشيا بساحة المعركة مع كورونا بعيداً عن الحكومة الشرعية، تحاول المليشيا الحوثية وأقرانها إلى جوار امتصاص الدعم المقدم لليمن، استغلال موقف المجتمع الدولي الذي قد يذهب باتجاه فرض وقف إطلاق النار، والترتيب لمرحلة ما بعده، في ظل معطيات جديدة قيدت الحكومة الشرعية عن ميدان الفعل السياسي والانساني، وأعطت مهامها لمليشيا لا شرعية لها ولا مشروعية، وهي في الوقت ذاته لا تقدم للإنسان اليمني سوى الموت في الجبهات أو الموت بالوباء دون أن يلتقى حبة دواء.
* رئيس تيار نهضة اليمن
المقالات
كتابات وآراء
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر