إبراهيم ناجي
قرارات الحكومة الاقتصادية .. بين الواقع الصعب والمزايدة السياسية
2023/01/20
الساعة 01:03 صباحاً
أقرت الحكومة مؤخراً عدداً الإجراءات الاقتصادية، والتي أثارت سخطاً واسعاً وحملات إعلامية كبيرة، ومن بين كافة القرارات كان رفع الريال الجمركي بواقع ٥٠٪ هو محور الاهتمام لتداعياته على أسعار السلع والخدمات، صحيح أن معظم المواد الأساسية معفية أساساً من الرسوم الضريبية أو الجمركية لكن المشتقات النفطية والكماليات ستخضع للتعرفة الجديدة، وبالتالي سيؤثر القرار بطريقة أو أخرى على الأسعار، ولذا السخط الشعبي أمر طبيعي جداً خاصة في ظل تدهور القدرة الشرائية بسب تصخم الأسعار وتراجع سعر العملة.
لكن غير الطبيعي هو الاستغلال السياسي وقفز مكونات سياسية شريكة في السلطة إلى خطابات شعبوية لتسجيل نقاط وحضور، حيث توالت المواقف من مجلس النواب ومن بعض الوزراء والمكونات السياسية احتجاجاً على القرار وتنصلاً من مسؤوليتها تجاهه، وهنا عدد من الأسئلة التي ينبغي أن نطرحها ونجيب عليها حتى نقيم هذه المواقف وأصحابها:
ما هو الوضع الاقتصادي وهل هذه القرارات ضرورية أو سليمة أو مبررة، وماهي البدائل المتاحة، وكيف تم اتخاذ القرار؟.
سأبدأ من السؤال الأخير: القرار تم اتخاذه في اجتماع المجلس الاقتصادي الأعلى وتم إقراره من قبل مجلس الوزراء، وبحسب منطوق القرار فإن هذه القرارات جاءت بموجب توجيهات مجلس القيادة الرئاسي، والذي نص بشكل واضح على توجيه الحكومة برفع قيمة الريال الجمركي، ولذا فإن هذا القرار المسؤول عنه كافة المكونات السياسية الممثلة في مجلس القيادة وفي الحكومة، ومن المعيب بل النفاق السخيف أن تحاول مكونات سياسية التربح والتنصل من مسؤولية ما أقرته مكوناتها بل وقياداتها.
ثانياً، الواقع الاقتصادي للدولة تغير تماماً بعد توقف تصدير النفط في أكتوبر الماضي، فالنفط يمثل ٦٠- ٦٥٪ من إيرادات الدولة ومن الموازنة العامة للحكومة، وبلغة الأرقام إجمالي الكميات التي كان المفروض أن تصدرها الحكومة منذ أكتوبر الماضي وحتى تاريخ المقال تتجاوز ٦ مليون برميل (منها ٢ مليون برميل للفترة قبل أكتوبر وكان المفترض تصديرها في أكتوبر)، أي أن الخزينة العامة خسرت ما يُقارب ٥٠٠ مليون دولار خلال الثلاثة الأشهر الماضية. هذه الإيرادات يذهب منها ٣٠٪ نفقات تشغيل وكلفة إنتاج، وتُوزع ال٧٠٪ المتبقية كالتالي: ٢٠٪ حصة تنمية للمحافظات المنتجة، والمتبقي يدخل خزينة الدولة، ويمول جزءاً كبيراً من رواتب الموظفين والالتزامات تجاه الخدمات العامة.
أي أن الحكومة تعيش الآن برئة واحدة، أو بالأصح بثلثي رئة واحدة، وحينما تحدث الرئيس رشاد العليمي عن أن الدولة قد تعجز عن سداد الرواتب ومواجهة الالتزامات الحتمية في الخدمات وغيره لم يكن يبالغ، فالدولة باحتساب الإيرادات النفطية وغير النفطية لم تبلغ إيراداتها ال٢ مليار دولار، وخسرت للتو أكثر من نصف هذا الدخل.
القرارات الحكومية وحتى لو تم تعويم سعر الريال الجمركي لن تغطي حتى ٥٠٪ من فجوة توقف تصدير النفط الخام، وبالتأكيد هذا سيكون له تداعيات كبيرة على الواقع الاقتصادي للدولة ككل.
والبديل إما أن تعوض الحكومة جزءاً من هذه الإيرادات المفقودة عبر إجراءات مؤلمة أو أن تضطر أن تغطي الالتزامات الحتمية من مصادر تضخمية كالإصدار النقدي وبالتالي انهيار العملة، أي أن الخيار القائم بين أفضل السيئين، وأعتقد اثأنها كانت جريئة لتتحمل مسؤولية قراراتها وتعلنها للجميع.
الكثير من الانتقادات انطلقت من منطق فشل الحكومة في إيجاد بدائل اقتصادية أخرى مثل إيرادات الاتصالات وتحصيل إيرادات ومنع الجبايات وغيرها، وهذا للأسف واقع مر وهو فشل يشمل مجلس القيادة والحكومة والمكونات السياسية والاجتماعية، وما تعيشه البلد يتجاوز فكرة الفساد، إنه اقتصاد حرب، وكل المكونات السياسية مساهمة فيه بطريقة أو بأخرى في المناطق التي تسيطر عليها، وبينما تتجرأ على بيع الحديث الرطب والحلو للمواطن، ترفض أن تتوقف عن ممارساتها أو تصحح الوضع لصالح الدولة في المناطق التي تحت سيطرتها، أو أن تواجه الفساد الذي يقوم به ممثلوها ووكلاؤها، وقس هذا الأمر في كافة المحافظات من حضرموت إلى مأرب إلى شبوة إلى عدن إلى تعز.
كان الأولى بهذه المكونات وقياداتها وممثليها أن يناقشوا كيف يمكن إعادة تصدير النفط الخام، لأنه لم يتوقف بسبب عطل فني أو واقع اقتصادي بل بضربات عسكرية، والحل لا يمكن أن يكون اقتصادياً، بل قراراً سياسياً تشترك في مسؤوليته كافة المكونات وتكون على قدر من الشجاعة لتنفيذه على الميدان.
كما كان الأولى بهذه المكونات أن ترفع صوتها تجاه الأشقاء الذين وعدوا بدعم اقتصادي تجاوز الثلاثة مليار دولار، وهو دعم في واقعه سياسي ولا يمكن تبرير التأخير الحاصل بقضايا فنية بينما اليمن، الحكومة والشعب، تغرق في الأزمات الاقتصادية.
وأخيراً، كان الأولى إن كانت هذه المكونات حريصة على المواطن أن تأخذ القنوات التي تُحدث تغييراً، وهي القنوات الرسمية داخل مجلس الوزراء أو في مجلس القيادة أو عبر اللقاءات الرسمية دون إعلام، لكن التهافت على الوهم أقصر الطرق للسقوط.