- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
يذكر لنا التاريخ أن جميع الحروب التي شهدتها البشرية نتج عنها دمار وكوارث بيئية وبشرية واقتصادية واجتماعية استغرق التعافي منها فترات طويلة قد تصل إلى عقود من الزمن. والأمثلة من التاريخ القريب متعددة، ولكن نذكر أبرزها وهي الحربان العالميتان الأولى والثانية والحرب العراقية-الإيرانية. فقد تسببت الحرب العالمية الأولى في سقوط أكثر من 37 مليون نسمة من المدنيين والعسكريين ما بين إصابات وقتلى. أما الحرب العالمية الثانية فقد كانت نتائجها أكثر كارثية بسقوط ما بين 60 مليوناً إلى 80 مليون جريح وقتيل، إضافة إلى ارتكاب المجازر في حق العديد من الشعوب واستعمال الأسلحة الكيماوية والذرية وانهيار اقتصاد أوروبا وتدمير ما يقارب 70% من البنية التحتية الصناعية هناك. أما الحرب العراقية -الإيرانية والتي تُسمى أيضاً بحرب الخليج الأولى، والتي استمرت ثماني سنوات، فقد تسببت في سقوط قرابة مليون ضحية وخسائر مالية تقدر بنحو 1.19 تريليون دولار أميركي.
واللافت للنظر أن معظم الحروب نشأت لخلافات بين الدول أو رغبة دولة ما في احتلال دولة أخرى. أما الحرب الدائرة منذ أغسطس 2015 في اليمن بين قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، وميليشيات «الحوثي» المدعومة من الحرس «الجمهوري» والقوات الخاصة الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وإيران، فهي حرب معلنة لمساندة النظام الشرعي في صنعاء وإعادة الرئيس المعترف به دولياً لمكانه الطبيعي. وهي أيضاً تكاد تكون الحرب الوحيدة في التاريخ التي تستخدم فيها القوات الموالية للشرعية السلاح بيد ومعول البناء باليد الأخرى.
فالقوات التي تدخلت لتحرير اليمن من براثن «الحوثيين» وكلاء إيران تعمل على إعادة الشرعية والأمان والأمن لليمن، وفي الوقت نفسه تترك المدن المحررة وراءها للوكالات والمؤسسات المدنية في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت لإعادة بناء ما دمره «الحوثي» والمخلوع. فمنذ اندلاع الحرب، نفذ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية 161 مشروعاً متنوعاً للمحافظات اليمنية في مجالات عدة، شملت المساعدات الإغاثية والإنسانية والإيوائية والبيئية ودعم برامج الزراعة والمياه والصحة والتغذية.
أما دولة الإمارات، فقد نفذت مشاريع بناء وتطوير بلغت ما يفوق 8 مليارات درهم خلال الفترة من شهر أبريل 2015 إلى يوليو 2017. وتنوعت تلك المشاريع فشملت التعليم والصحة والغذاء والبنية التحتية وإعادة الإعمار ومكافحة الأوبئة بشكل عام وبناء الوحدات السكنية، وتزويد المدن المحررة بالوقود والطاقة الكهربائية والمواد الغذائية والمساعدات، وتوفير المياه والصرف الصحي ومواد الإغاثة بشكل خاص. وهناك أيضاً دولة الكويت التي دشنت حملة (الكويت إلى جانبكم) التي تستهدف ترميم وتأثيث المدارس، بجانب العديد من المشاريع الخيرية والإغاثية في قطاعات الغذاء والماء والتعليم والإيواء، إضافة إلى الصحة.
كل تلك الجهود تؤكد رغبة تلك الدول ليس فقط في تحرير اليمن من براثن أعوان إيران، وإنما في بناء ما دمرته تلك القوات المتمردة على الشرعية من خدمات ومرافق وبنية تحتية في مختلف المدن. ومؤخراً تتوالى الأنباء عن قيام قوات التحالف والقوات المسلحة والمقاومة اليمنية بتحرير العديد من المناطق الاستراتيجية المحيطة بالعاصمة صنعاء، مما يشير لقرب تحريرها وبسط الشرعية وإنهاء الانقلاب «الحوثي».
ولذلك يجب التخطيط لمرحلة ما بعد الانقلاب «الحوثي»، وتحديداً لترسيخ موقع اليمن في الصف الخليجي والعربي، بعيداً عن أطماع ومخالب إيران وأعوانها. كما يجب الوقوف اقتصادياً مع الحكومة اليمنية الشرعية لوضع استراتيجية ورؤية ترفع عن كاهل الشعب اليمني المصاعب والأهوال الاقتصادية التي مر بها أثناء فترة الانقلاب. أضف إلى ذلك ضرورة المساهمة في إعادة الأمن والأمان للمواطن اليمني، لكي ينعكس بدوره على جذب الاستثمارات والمشاريع الاستراتيجية لتطوير اليمن من جميع النواحي ليعود اليمن مرة أخرى سعيداً، ويحتل موقعه الطبيعي في العالم العربي.
د.عبدالله محمد الشيبة*
*باحث إماراتي
المقالات
كتابات وآراء
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر